أعان الله موظفي القطاع الحكومي وأسرهم، ومن لا يتمتعون بتغطية التأمين الصحي، فهم بين ناري القبول برداءة الخدمات الصحية العامة، ومواعيدها القاتلة، وبين أسعار المستشفيات الخاصة التي تفوق قدراتهم المالية بكثير. لم تعد المستشفيات الخاصة تميز بين المسؤولية الأخلاقية، والإنسانية المُلقاة على عاتقها، وبين التنافس المحموم في التكسب من آلام المواطنين وأوجاعهم. تبدأ معاناة مريض المستشفيات الخاصة بالمواعيد المتكررة المؤقتة لتجاوز الموعد المجاني، الأشعة بأنواعها، وكمية الأدوية المقدمة؛ فإن ابتلاه الله بالتنويم القسري فقد أوشك على الهلاك، لا الشفاء، وإن شفي من مرضه، فقد يصاب بأمراض أخرى ومنها القرحة، ارتفاع ضغط الدم، أو ما ارتبط منها بالأخطاء الطبية القاتلة.
تتعامل المستشفيات الخاصة مع المرضى كسلعة يجب أن تحقق من خلالها هامش الربح الأكبر، وكما أن لمسوقي البضائع في المحال التجارية عمولة خاصة على حجم المبيعات، فللأطباء أيضاً عمولة يتقاضونها على تكاليف علاج المرضى، ومن الطبيعي أن تكون العلاقة طردية بين حجم العمولة الشهرية وحجم فواتير العلاج المُحملة لشركات التأمين، أو المرضى الذين يتولون سداد تكاليف علاجهم بأنفسهم. يتجاهل غالبية الأطباء في المستشفيات الخاصة، حق المريض في الحصول على العلاج المناسب؛ وفق المعايير الطبية الصارمة، وبمعزلٍ عن الإغراءات المالية، أو العقوبات الإدارية التي يمكن أن يتعرض لها الطبيب الأمين، الذي يركز على صحة المريض لا جيبه؛ ما يَحمِلَهم على استنزاف المريض مالياً، وصحياً من خلال الأشعة المتنوعة والمتكررة، على ما يكتنفها من أخطار إشعاعية، والأدوية التي تُصرف من صيدلية المستشفى، والتنويم القسري الذي يفرضه الطبيب تحت ضغط نصائح الترهيب!. أما التنويم، فيحمل في ثناياه السم الزعاف، حيث يتسابق الأطباء والممرضات على حقن جسد المريض المنوم بأنواع الأدوية، والمضادات التي يُهدف من خلالها تعظيم قيمة الفاتورة، لا شفاء المريض. من أغرب حالات الاستغلال، تَعَرُض مريض وافد، في أحد المستشفيات الخاصة الرئيسة في المنطقة الشرقية، لخطأ طبي أصابه بنزيف داخلي استدعى دخوله العناية الفائقة لثلاثة أسابيع؛ تفاجأ المريض خلال تواجده في العناية، بطلب الإدارة تعزيز رصيده (المُستَنفَد) لتغطية نفقات العلاج غير المغطاة بالتأمين، أو الخروج حالاً!؛ اضطر المريض، الذي لم يكن قادراً على الخروج، إلى دفع تكلفة (الخطأ الطبي) بدلاً من حصوله على تعويض ضخم!.
البطاقة التأمينية، باتت خطراً على حامليها، وبسببها تحولت بعض المستشفيات الخاصة من هدفها الإنساني الصحي، إلى هدف استقطاع الربح الأكبر من المريض بمعزل عن المعايير الطبية، الأخلاقية، وحقوق المرضى. من يقتنص المريض أولاً له الحق في استنزاف تغطيته التأمينية، وإن كانت في أسابيع معدودة؛ كثير من المرضى يتفاجؤون بخسارتهم تغطية التأمين الصحي عند الحاجة الماسة لها، وما ذاك إلا بسبب إسراف الأطباء في استنزاف أرصدتهم التأمينية، في أمور كان من الممكن الاستغناء عنها لمصلحة المريض.
بعض المستشفيات الخاصة باتت تنافس البنوك في احتساب الفائدة على مدفوعات بطاقات الائتمان، وهذا أمر لا إنساني، ومخالف للأنظمة والقوانين؛ فأنظمة الحصول على أجهزة نقاط البيع، وقبول بطاقات الإئتمان، تنص على عدم تحميل العميل (المريض) أية رسوم على مدفوعاته المالية؛ وهي أنظمة غير معترف بها لدى غالبية المستشفيات، والمتاجر أيضاً؛ تستغل المستشفيات الخاصة ظروف المرضى، وحاجتهم لدفع تكاليف العلاج ببطاقات الائتمان لتحميلهم أعباء مالية إضافية تتعارض مع الأنظمة والقوانين. أحد المستشفيات الخاصة الضخمة تتقاضى نسبة 4 في المائة على حجم المبالغ المسددة ببطاقات الائتمان، وهي نسبة تفوق مجمل ما تتقاضاه البنوك على القروض الشخصية. وبخلاف عدم نظامية العمولة، إنسانيتها، وتعارضها مع الأخلاق والقيم، فهي لا تخلو من شبهة شرعية مرتبطة بالربا، المُحرم شرعاً، فالنسبة المضافة إلى أصل المبلغ تؤدي إلى زيادة في قيمة المال المدفوع لا تكلفة الخدمة التي لا يتغير سعرها في الفاتورة. وبذلك يدخل المريض في شبهات الربا من حيث لا يعلم!.
هناك فارق كبير بين جشع المستشفيات الخاصة لدينا، واستغلالها حاجة المرضى للعلاج، وإنسانية المستشفيات الخاصة في الغرب التي تقوم على أسس ومعايير أخلاقية، طبية، وإنسانية. وضع المستشفيات الخاصة في حاجة إلى ضبط قانوني، وإشراف رقابي صارم، وثقافة صحية، وتأمينية تمنع الاستغلال؛ وقبل كل ذلك إلى معايير أخلاقية، وإنسانية تحكم العلاقة بين ملاّك المستشفيات الخاصة، الأطباء، والمرضى، مبنية على أسس مستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، ومن أخلاقيات المهنة، وقسمها العظيم.