قلوب الناس مستودعات أرواحها، في هذه المستودعات الصغيرة في حجمها، الكبيرة في مقدار استيعابها وتأثيرها، تُحفظ كل المواقف وما أحدثته في النفس من ألم أو سعادة أو خوف وإحباط، أو غيرها مما تفيض به المشاعر، وتتكدس فيها كل الأشياء التي يختبرها الإنسان في حياته، خيرها وشرها، لا يسلم قلب إنسان من وجود هذه المحفوظات كلها، الذي يدّعي أنه لا يحفظ في مستودع قلبه غير الخير، أو كل ما هو سعيد فقط هو بلا شك يكذب، والذي يقول إن في مستودع قلبه شراً محضاً هو أيضاً يكذب، ما في قلب الإنسان هو من هذا وذاك، وأمور لا يُعرف لها تصنيف ركنت نفسها مع غيرها كمخزون تجارب في هذا المستودع.
أحياناً تتلبسنا المثالية، فنطالب قلوبنا بما لا يتوافق وطبيعة ما خلقت عليه، عندما نطالبها أو نضغط عليها لنسيان وعدم حفظ ما اختبرته من مواقف أو مشاعر تباينت في خيرها وشرها بكل تفاصيلها، وفيما أسبغت به على أرواحنا من سعادة أو شقاء، فما تراه عينك، ويؤثّر على مشاعرك لا بد أن يحفظ شئت أم أبيت في هذا المستودع المسمى قلبك. فالحكمة والرأي السديد أو القرار الصائب أو غيرها من اضدادها، لا تأتي من حركة عقلك فقط دون أن تمر وتعجن وتمحص بما تم حفظه في قلبك، لو أن القلوب لا تخزن في رفوفها هذه التجارب وهذه التفاعلات مع السعادة والألم، وما مرَّ به الإنسان في سابق حياته من كل ما أثر على فيض مشاعره سلباً أو إيجاباً، لما اختلفت طبيعة حركتنا أو ردود أفعالنا، وتباينت تجاه ما نختبره في حياتنا من مواقف مختلفة، فالعقول ما هي إلا برامج تشغيل لهذه الملفات، وهي تعمل في كل إنسان وفق نظام وآلية واحدة لا تتغيّر، لكنني أؤمن أن القلوب على اتفاقها في حفظ ما يمر على الإنسان في حياته من خير وشر، هي إما قلوب سليمة أو غير ذلك، الذي يحدث الفرق في أن تصنف ضمن هذه الفئة أو تلك، هو مقدار ونوعية ما تستخدمه من ملفاتها المحفوظة فيها، وفي قوة تأثيرها على العقل، وقدرتها على تحديث ما تخزنه من تجاربها بانكشاف جوانب لم تكن تعرفها، لتبرز حقيقة الإنسان فينا، عندما يتأثر عقله إما سلباً أو إيجابياً مع محفوظات قلبه، فتأتي تصرفاته وفق المسار الثائر والمتسلط فيها... والله المستعان.