لا يكاد يمر يوم دون أن يصدر تصريح ما عن رسميين إيرانيين حول البحرين. وتتصاعد التصريحات من يوم لآخر وتكتسب طابعا يزداد حدة، ويبرز فيها شيئا فشيئا حجم ووزن التهديد بالعنف، لأن قيادة إيران الحالية تنظر إلى الأزمة بمنظار خاص يجعل مواطني هذا البلد العربي تابعين لإيران، أي أشخاصا هم محل نزاع بين طهران والمنامة،
من واجب العاصمة الفارسية الدفاع عنهم، انطلاقا من صفة مذهبية معينة، رغم تعارض ما تمارسه هذه العاصمة من سلوك مع كلامها حول طابع نظامها الإسلامي الجامع، غير المذهبي وغير الطائفي، وواقع أن ممثلي أبناء البحرين من المذهب الإسلامي الجعفري ناشدوا قادة طهران بصراحة أن لا يتدخلوا في شؤون بلادهم، ولا ينازعوا حكومتهم على تبعيتهم الوطنية لها، لما يلحقه سلوكهم هذا من ضرر بمصالحهم، ولتعارضه مع رغباتهم.
ومع أن الأزمة دخلت منذ بعض الوقت في طور تهدئة، سواء تم ذلك بالقسر والغلبة أم بالرضا والتوافق، فإن تصعيد اللهجة الإيرانية يبدو غير متسق مع واقع الأمور الحالي، الذي يأمل كل من يريدون خير البحرين أن تكون فاتحة حوار وطني شامل يعطي كل ذي حق حقه، ويضع حدا لما في الحاضر من ظلم يعاني منه أي قطاع من البحرينيين. ورغم أن حكومة المنامة وعدت أول الأمر بالتفاهم مع المتظاهرين والمحتجين، إن هم توقفوا عن احتلال ميدان اللؤلؤة وشوارع العاصمة، فإن هذا لا يعطي حكومة إيران حق التدخل لحماية نصف سكان البلاد من حكومتهم، وللتعامل معهم وكأن هويتهم القومية تتعين بمذهبهم الديني، أو كأنهم ليسوا عربا بل إيرانيين، مثلما سبق لها أن فعلت في العراق، حين اعتبرت الشيعة قومية عراقية قائمة بذاتها، وبدأت تتحدث عن العراق باعتباره موطن أقوام ثلاثة هم: الأكراد في الشمال، والعرب في الوسط والغرب، والشيعة في الوسط والجنوب، مع أن هؤلاء لم يسبق لهم أن أبدوا أي شك في انتمائهم العربي، وكانوا دوما من أكثر القبائل التي سكنت في العراق عروبة وأصالة لغوية ودينية. والغريب أن إيران ترفض تدخل أيا كان في مسائل عرب الأحواز، الذين ضمتهم إليها قبل قرابة ثمانين عاما، ويتحدثون اليوم أيضا لغة الضاد، ويعتبرون أنفسهم قبائل عربية، وقاوموا طويلا، سلميا وبالسلاح، عملية «تفريسهم»، وأعلنوا قبل فترة انتفاضة جديدة ضد الحكم الإيراني، الذي يرى في أي حديث عن هؤلاء العرب عدوانا على التاريخ والمصالح الإيرانية. بالمقابل، تعطي طهران نفسها الحق في حشر أنفها في البحرين، وربما في الخليج كله، وتتعامل مع الأمر وكأن الحكومة هناك تضطهد شعبا إيرانيا يعيش في أراضيها، من واجب حكومته الشرعية في إيران حمايته بجميع الوسائل، التي حددتها مؤخرا تصريحات صدرت عن بعض قادتها وصفتها قبل قليل بأنها تنطوي على تهديد جدي بالعنف.
قال علي أكبر صالحي، وزير خارجية إيران يوم الجمعة في 15-4-2011: إن بلاده لا تستطيع الوقوف مكتوفة اليدين تجاه ما يجري في البحرين، وطالب بتدخل مجلس الأمن الدولي في شؤون البحرين. وزاد وزير الدفاع الإيراني الطين بلة بالقول: إن على دول مجلس التعاون الخليجي سحب قواتها من هناك، لأنها جيوش احتلال استعمرت تلك البلاد، وألمح إلى أن هذه الدول ستندم لأنها اعتدت على البحرين. ما الذي يجري في البحرين ولا تستطيع إيران الوقوف مكتوفة اليدين حياله، وتدعو مجلس الأمن للتدخل فيه؟. ومن الذي يستعمر دولة طلبت بملء إرادتها مرابطة قوات عربية خليجية في أراضيها، تطبيقا لاتفاقيات أمنية سابقة وملزمة تتعلق بحماية استقرارها وسلامها الأهلي؟. وما الذي يدعو إيران إلى الطلب من مجلس الأمن التدخل لحماية البحرينيين من حكومتهم، إن كانت لا تريد فعلا زعزعة استقرار المنطقة، وتسعى إلى سيطرة الهدوء على ضفة الخليج الغربية، تطبيقا لمبدأ حل المشكلات المحلية بواسطة الحكومات المحلية، وتوافقا مع ما تزعمه دوما حول تأييدها أمن واستقرار المنطقة؟. وهل سبق حقا لدولة أن طالبت مجلس الأمن بالتدخل لحماية مواطني دولة أخرى، إلا إذا كانت ترغب هي نفسها في انتهاك سيادتها والعدوان على أمنها وهز استقرارها؟.
منذ قامت الثورة لإسلامية في إيران وهي ترى في نظم المنطقة العربية حكومات غير شرعية وبالتالي انتقالية، يجب أن تخلي مكانها لحكومات تعجب إيران وتتفق مع معاييرها في الحكم والسياسة. ولعله ليس سرا أن تاريخ علاقات ما بعد الثورة مع العرب هو أساسا تاريخ تدخل إيران في شؤون جيرانها، وعملها لهز أوضاعهم، واختراق مجتمعاتهم، وإثارة الفتنة والشقاق بين مكوناتها، والتلاعب بتوازنات القوى القائمة داخلها، علما بأن هذا الانتهاك المتواصل لعلاقات وأسس حسن الجوار يتم دوما باسم الأخوة ووحدة المصير، ولكن من جانب واحد، بما أن جارنا الشرقي رفض وما زال يرفض أي تدخل عربي في شؤونه، حتى إن كان ملاحظة عابرة تقال باسم الأخوة ووحدة المصير. يحدث هذا، بينما تدين طهران بصوت مرتفع ازدواجية المعايير الدولية والعربية، وتتخذ موقفا يتسم بنفاق شديد وينم عن انقلاب سياسات الأخوة هناك من سياسات تليق بدولة إلى سياسات عصبة متشددة لا تراعي عرفا أو قانونا دوليا أو مستلزمات الجيرة الحسنة.
يتغير العالم العربي اليوم، ويستعيد بعض مواقفه المشتركة، ويرجح أن يتولى حماية نفسه بقدراته الذاتية، في غد غير بعيد. إذا كانت إيران لم تنجح في السيطرة عليه خلال فترة ضعفه، فهي لم تنجح بالأحرى في اختراقه بينما هو يستعيد قوته. لو كنت محل قادة طهران، لأوقفت أي تأزم في علاقاتي مع جيراني العرب، ولفهمت أن ما لم يحققه استعمار الدول المتقدمة، لن يتحقق بوسائل بلد يحتاج إلى كافة قدراته وأمواله كي يتقدم، وينجو من المخاطر والتحديات، الكثيرة، التي تتحداه، وتوشك أن تطبق على عنقه!.