أبدأ بما انتهى إليه تصريح الأمير (منصور بن متعب بن عبدالعزيز)، وزير الشئون البلدية والقروية لهذه الصحيفة؛ في يوم الأحد الموافق للسابع والعشرين من شهر فبراير الفارط، حيث قال: (الوزارة لا تتضايق مما يطرحه الإعلام من شكاوى، بل بالعكس. الإعلام شريك مع الوزارة في تطوير وتحسين خدمات البلديات للمواطن، والوزارة سوف تتعامل مع ما يطرح بكل شفافية وإيجابية. قلوبنا مفتوحة، ولا نتذمر من قول الحقيقة).
التصريح الذي نقله زميلنا الأستاذ (عوض بن مانع القحطاني)، هو في غاية الأهمية، ويأتي في الوقت الذي تشتد فيه أزمة السكن، وترتفع فيه درجة حاجة الناس للمساكن، وقد لفت نظري أن وزير الشئون البلدية والقروية، يصف إجراءات وزارته القادمة بأنها: (إستراتيجية جديدة للحد من ظاهرة غلاء أسعار الأراضي).
يستفاد من تصريح الأمير (منصور بن متعب) في هذا الصدد:
1- أن حل غلاء أسعار العقار قريب جداً، مع أنه يشير في مكان آخر، إلى أن أسعار الأراضي خاضعة (للعرض والطلب).
2- أن هذا الحل المرتقب، يأتي من خلال مشاريع الإسكان القادمة التي منها:
أ- توزيع الأراضي على المحتاجين.. (أراضٍ مطورة ومشترطة للبناء).
ب- تخصيص 130 موقعاً جديداً للإسكان في المملكة، بغرض (عمل مشاريع إسكان للمواطنين).
ت- وجود تعاون جيد مع هيئة الإسكان في هذا القصد. الهيئة (سوف تشرع في بناء المواقع الـ(130).
ث- أسعار الأراضي خاضعة للعرض والطلب.
لم يمض على تصريح سمو وزير الشئون البلدية والقروية سوى ثلاثة أسابيع، فجاءت القرارات الملكية الداعمة لبناء المكان وتنمية الإنسان في هذه البلاد المصونة، ومن أهمها قرار دعم سكن المواطنين بحوالي (390) مليار ريال، وذلك من خلال تفعيل صندوق التنمية العقارية، ورفع القرض من (300) ألف ريال، إلى (500) ألف ريال، ثم إنشاء مدن سكنية على (130) موقعاً في مدن المملكة، وتوفير (500) ألف وحدة سكنية، لتصبح هناك وزارة إسكان بدل هيئة الإسكان العامة، تتولى العمل على تحقيق هذا الحلم الذي خططت له قيادة هذه البلاد، وينتظره ملايين السعوديين المحتاجين للسكن الخاص بشوق كبير.
هذه خطوة رائدة وبناءة بدون شك، وتطور كبير نحو مسألتين. الأولى: تأتي للحد من ارتفاع أسعار الأراضي السكنية في المملكة، وهي التي ظلت خاضعة؛ ليس فقط للعرض والطلب، وإنما لجشع تجار العقار وسماسرته، ولمزاجية المتنفذين في سوقه، فيرفعون الأسعار إذا أرادوا البيع، ويخفضونها لأنفسهم إذا أرادوا الشراء، ولا أتوقع حلحلة جيدة في هذا الاتجاه، حتى يصبح السكن ميسراً لكل المحتاجين له بتكلفة معقولة وميسورة. أما الثاني: فهو تجنيب ذوي الدخل المحدود بصفة خاصة، الوقوع في مديونيات كبيرة من أكثر من طرف، نتيجة شراء أراضٍ للسكن الخاص، ومن ثم البناء عليها، تثقل كواهلهم طول العمر، وقد تورِّث هذا الهم لأبنائهم من بعدهم. هذا.. إذا أصبحت الدولة هي المتكفلة بتحقيق حلم السكن الخاص لكل مواطن محتاج له، بأسعار واقعية تتناسب مع دخل الفرد، أو إيجار تمليك مضمون.
أما وقد وفرت البلديات المواقع ال (130) لوزارة الإسكان، فنحن نهيب بهذه الوزارة الوليدة -وزارة الإسكان- أن تثبت أنها في محط ثقة ولاة الأمر، وأنها في مستوى تطلعات المواطنين، وأن نرى شركات عالمية كبرى، تبني وتعلي البنيان في كل المدن بدون استثناء في وقت قريب، وإذا لم تستطع ولم تفعل، فعليها أن تعلن فشلها مبكراً، وتشرح أسبابه، ويترك المسؤولون فيها إدارة الدفة لمن يملك الكفاءة والمقدرة، وأن لا يعيدوا إلينا صورة المشاريع المتعثرة هنا وهناك، وهي منسوبة إلى الشركات المنفذة في الميدان، بينما يتم تغييب دور ومسؤولية الوزارات والمؤسسات التي أرست هذه المشاريع، والمنوط بها الإشراف والمتابعة والملاحقة والاستلام في الوقت المحدد.
بقيت مسألة الأراضي البور التي تتوسط الأحياء في كافة المدن، فهي شاسعة وواسعة، وهي متروكة ومهملة، وهي منزوعة المنفعة العامة، لكن أضرارها البيئية كبيرة، وقد اقترحت على وزارة البلديات في مقال سابق نشرته هنا، أن تعمل على سن نظام يفرض رسوماً مالية مترية سنوية على الأراضي البور داخل المدن، إلى أن يقوم ملاكها بتعميرها، أو تأجيرها واستثمارها، أو بيعها لمن يستثمرها تجارياً وسكنياً، خاصة وهي على حالها هذه؛ ليست أكثر من مرامي للزبائل والمهملات، ومآوي للقطط والكلاب والحشرات. المقال منشور بالجزيرة تحت عنوان: (قِلة دُور.. وجَور أجُور .. وأراضٍ بور). على حلقتين. الأولى بتاريخ 25 إبريل 2010م، والثانية بتاريخ 2 مايو 2010م.
أتمنى أن تتظافر جهود وزارتي البلديات والإسكان، من أجل بناء مدن سكنية حقيقية ومشرفة على حدود وحاف المدن القائمة، بحيث تشكل أنموذجاً للإسكان العصري الراقي، الذي يغري المواطن بالتملك فيه والعيش فيه بكل راحة وسعادة، ذلك أن تجارب سبقت لمجمعات سكنية خيرية غير مخطط لها في عدة أمكنة، بدت وكأنها زرائب، حتى أن الذين أرادوا الاستفادة منها والسكن فيها، مالبثوا أن هجروها وعادوا إلى قراهم ومزارعهم التي أتوا منها. بلادنا والحمد لله واسعة، وعددنا ليس بالكبير الذي يجعلنا نتزاحم على كيلوات قليلة، ولتعزيز توجه الدولة نحو الحد من أسعار العقار وإنشاء مدن سكنية جديدة، نستطيع تطوير المنح السكنية، ونسرع بها، بحيث تأتي في مخططات منظمة، تتوفر على خدمات مائية وكهربية وبلدية وغيرها، وأن نشجع المبادرات الفردية لمن يريد أن يبني ويسكن في قريته ومسقط رأسه، فلا نضع العراقيل أمام سكان القرى، بل يجب تشجيعهم، وتنمية قراهم، حتى تبقى مأهولة مسكونة، ونحد بذلك من الهجرة المكثفة إلى المدن، فهي التي أضرت بنا في المدن، فلا ننسى أن الجزء الثاني من مسمى (وزارة الشئون البلدية والقروية)- القروية- غير مفعل بما هو منتظر منه.
كم نحن بحاجة إلى وزارة للتنمية الحضرية، تخفف عن البلديات أعباءها، وتتولى تمدين كل الأرياف، حتى لا نفاجأ ذات يوم؛ بترييف كل المدن.