في بعض الأحيان تكون التشريعات وسَنّ الأنظمة بعيدة عن الواقعية، وحيناً آخر تبتعد عن الأولويات والضروريات، وقد تغيب عنها بعض المتغيرات.
غلاء الأسعار في كل شيء أصبح هاجساً ومؤرقاً للمواطن الذي ينشد الحياة الكريمة، وأمسى محط عناية واهتمام من القيادة بمختلف مستوياتها. وأمام هذه الظاهرة واستغلال الظروف من بعض التجار تعالت الأصوات من المواطنين مطالبة بالرقابة عليها، وكبح جماح الارتفاع الجنوني غير المبرر كما يرى البعض.
في اعتقادي أننا في بعض مطالبنا ننشد المستحيل، أو نتعلّق بالأوهام، ونبتعد عن المقارنات بمَنْ حولنا، لكن الشيء الأهم الذي يمكن تنفيذه هو الرقابة على (جودة المنتج المحلي والمستورد)، وبخاصة ما يلامس غذاء الإنسان، أو أدوات الاستطباب للإنسان، والحيوان، والنبات. نحن أمام رأيَيْن: أحدهما يرى الرقابة على السعر، وآخر يرى (الجودة). أيهما الأكثر؟ لا أعتقد أن في ذلك مجالاً للمقارنة؛ فمعروفة ثقافتنا الغذائية، واتباعنا القواعد الصحية السليمة، ومدار اهتمامنا؟!!
في دول (الخليج العربي) بخاصة للسلعة الواحدة أكثر من صنف، وأكثر من نوع، مستورداً ومنتجاً، تجدها في ركن واحد، وفي مساحة محدودة، ولو افترضنا القدرة على مراقبة الأسعار ما الذي سيراقَب من عروض التجارة؟ ومَنْ الذي يحدد لك مراقبة صنف من الأصناف، أو سلعة من السلع دون الأخرى؟ هل مراقبة السلع المدعومة من الدولة كافٍ؟ بعض السلع روقبت، وشُهّر بالمخالفين، لكن هل تلك السلعة مدار اهتمام الغالبية العظمى من الناس، أم أنها تلامس فئة معينة، ولفترة محدودة؟ والأسواق عرض وطلب كما هو معروف.
قبل ما يزيد على العقدين، وقبل قيام منظمة (التجارة العالمية)، وحينما كانت السوق السعودية والخليجية محتكرة من قِبل أشخاص معدودين، كان المحتكِر هو سيد الموقف، وكان من السهولة فيما يبدو أن يتم التحاكم عند سعر معين. أمام هذا الانفتاح في السوق، وأمام المتغيرات البيئية والاقتصادية المتسارعة بصورة مذهلة، فلا يمكن معه التعاطي والتعامل مع الأزمات والمواقف بالصورة البسيطة التي يتخيلها المواطن الذي ربما يكون بعيداً عن الأحداث وتقلبات الأسواق، والعوامل المؤثرة فيها.
صحة الإنسان هي أغلى ما يملك، وهي بالفعل تاج لا يعرفه إلا المرضى، وكل المؤشرات في الأجهزة الصحية وبيانات جمعيات (حماية المستهلك) تنذر بخطر عظيم، يهدد سلامة جميع الكائنات، في حال لم نلتفت إلى سبل الوقاية. من هذا المنطلق فإن انصراف الأجهزة الرقابية إلى ما هو أهم وأسهل هو الهدف الأسمى، ومن خلاله نستطيع أن نحد من الجشع والمتاجرة على حساب الصحة، وفي الوقت نفسه نحمي الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال المخلصين الصادقين، وما أكثرهم في هذا الوطن!