عندما يقع عالم الدين أو الداعية في أحبال السياسة، فإنه حتماً سيحمّل الدين أو المذهب الذي يتبعه أعباءً في غنى عنها.
وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن، غزا الإسلام السياسي معاقل العلماء والدعاء واستطاع أن يجند بعضاً من العلماء ومراجع الطوائف المذهبية لخدمة أهداف سياسية ليست بالضرورة أن يتفق عليها أتباع الملة الواحدة أو المذهب الواحد، إذ هي عامل فرقة؛ فالسياسة نهج وأسلوب وفكر هو مجال اختلاف بين أنصار كل معسكر، ولهذا فإن العلماء الأجلاء السابقين والكثير من المعاصرين نأوا بأنفسهم وبالفقه عن أحابيل السياسة، إلا أن البعض، ومنهم من لهم مؤيدون وأنصار ومقلدون سقطوا في هذا الوحل.
أكثر العلماء والمراجع إثارة للاختلاف والذين تحوم حول مواقفهم شبهات سياسية، العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الذي دخل معارك ذات طابع سياسي ما كان بحاجة أن يتورط فيها خصوصاً وأنه يُنظر إليه كمرجع كبير للمسلمين جميعاً، ولهذا فلم يكن من الواجب أن ينحاز ضد فئة معينة من قادة الدول ويدخل في صراع مع عدد من الأنظمة السياسية التي قد يرى فيها بعض من المسلمين بأن وجودهم ضرورة.
وفي الجانب الآخر المرجع الشيعي الكبير علي السيستاني الذي انتقده عدد كبير من نظرائه من المراجع والعلماء الشيعة والذي كان آخرهم العلامة والمفكر الإسلامي الكبير علي الأمين الذي وجد في مواقف السيستاني تناقضاً تجاه الأحداث والتظاهرات في المنطقة حيث أصدر فتاوى تحرم التظاهرات في العراق، وأيد في نفس الوقت التظاهرات في البحرين، ولم يستجب لنداءات الاستغاثة من شيعة إيران ولا من شيعة العرب في الأحواز.
هذه المواقف المتناقضة من قِبَل من يتصدرون العمل الإسلامي يضللون بها العامة الذين يفترض أن ينيروا لهم السبيل بتوجيههم التوجيه السليم، فيصيبوهم بالإرباك، بل ويدفعونهم لارتكاب الخطأ إن هم اعتمدوا توجيهاتهم ذات الصبغة السياسية، كما أن العالم والمرجع الذي يدافع ويساند نظاماً يرتكب الآثام والجرائم مثلما يفعل المرجع علي السيستاني في دعمه لحكومة المالكي وغضه النظر عما يرتكبه النظام الإيراني تجاه شيعة إيران وضد أهل الأحواز العرب السنة والشيعة، يجعل هؤلاء ينظرون إلى ما يمثله هذا المرجع نظرة شك ولا يعتبرون فتاويه ذات مصداقية بعد أن شابتها شبهات سياسية.