يبدو أن لدينا أزمة كبرى في موضوع النقل ما بين المدن وفي النقل العام داخل المدن، ففي النقل بين المدن لدينا طرق معبدة ممتازة بين المدن لكنها لم تعد تفي بالاحتياج ولا تواكب تطلعات الناس، حيث إن الاحتياج أصبح أكثر إلحاحاً على النقل الجوي وعلى بدائل أخرى للنقل البري وتحديداً إلى نقل عام مأمون وإلى نقل سكك الحديد الذي تأخرنا في تنفيذه كثيراً.
النقل الجوي حصر خياراتنا في الخطوط السعودية ولم نتح المجال لبدائل أخرى بشكل موضوعي وجدي. طبعاً إتاحة الفرصة لشركتي خطوط لا تملك الخبرة الكافية وإحداهما خرجت من القطاع لم يكن موضوعياً ولم تمنح الشركات الامتيازات التي منحت للخطوط السعودية. ليس هناك خلاف على ضرورة خصخصة الخطوط السعودية ووضعها في محك المنافسة مع الآخرين على المستوى المحلي، ورغم ذلك مازال هناك تردد ولازلنا نكثر القول الذي لم يصاحبه فعل ملموس في هذا الشأن. بل أصبح الحديث في شأن الخطوط السعودية مملاً لكثرة ما طرح وما قيل حولها سواء من ناحية القصور أو من ناحية آليات التخصيص أو من ناحية عجزها عن الوفاء باحتياجاتنا الوطنية في مجال النقل الجوي، دون استجابة عملية في هذا الشأن.
الأمر يتطلب وضوحا من قبل هيئة الطيران المدني في ما هي فاعلة في هذا الشأن، ويتطلب جدولاً زمنياً يطمئننا في هذا الشأن، لأن السفر الجوي ليس مجرد ترف أو خدمة استهلاكية إضافية بل أصبح يمثل عصب الاقتصاد والسياحة ودون تطوير بنيته نحن نضرب اقتصادنا وحركتنا التنموية في مفصل حيوي من مفاصلها الرئيسة. يجب أن نعلنها بوضوح: الخطوط السعودية أصبحت تشكل إعاقة للنمو الذي تعيشه المملكة، فهي عاجزة حتى عن توفير أبسط الحلول التي ننشدها.
في الجانب الآخر، طرقنا البرية أصبحت منهكة من حركة النقل التجاري عليها وأصبحت غير قادرة على الوفاء باحتياجاتنا سواء على مستوى نقل البضائع أو نقل الركاب، وهي بحاجة إلى مساندة حقيقية عبر تطوير السكك الحديدية بين المدن. للأسف منذ سنوات عديدة ونحن نسمع عن خطوط السكك الحديدية المزمع إنشاؤها وفي كل مرة نتوقع أننا على مقربة من البدء في تنفيذ تلك السكك، لكن لاشيء يحدث على أرض الواقع وما يحدث بشكل محدود سواء على خط الشمال أو خط مكة المدينة المنورة يسير ببطء غريب ويبقى ربط الشرق بالغرب محل الدراسات إثر الدراسات، ويبقى ربط الجنوب بالغرب والوسط والشمال مجرد أمنيات. لا يوجد لدينا جدول زمني واضح في هذا الشأن ولا توجد شفافية واضحة تخبرنا أين وصلنا وما هي خططنا في هذا الشأن. لدينا تجاربنا الأخرى؛ ففي الاتصالات بلغت أزمتنا مداها وحينما اتخذ القرار الإداري والاقتصادي الجريء بخصخصة الاتصالات أصبح الحديث عن أزمة الاتصالات شيء من التاريخ، وأصبح الهاتف الذي كنا ندفع فيه عشرة آلاف يأتينا ومعه الهدايا والشكر والتقدير. كل ذلك حدث خلال سنوات قليلة، فما هو المانع أن يحصل ذلك على مستوى النقل الجوي والبري؟!
حينما اعترفنا بأزمتنا في التعليم الجامعي واجهناها وحلت معضلة القبول خلال سنوات قليلة، بل وبالعزم والدعم أنشئت مدن جامعية كلفتها عشرات المليارات خلال أقل من ثلاث سنوات، فما المانع من وضع قضية النقل أولوية يجب حلها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات؟!
هذا يعني قدرتنا على إيجاد الحلول الجذرية متى وضعنا الأمر أولوية قصوى، فهل لنا بقرارات حاسمة وواضحة، تستأصل المعوقات والبيروقراطية التي أعاقت تطوير النقل وتتبنى حلولاً جريئة وفعالة في هذا الشأن؟!