الشيخ القرضاوي شنَّ حملة عنيفة على وزير الأوقاف السوري، ووصفه حسب جريدة الحياة (بالأبله)؛ كما دعا علناً إلى إسقاط النظام السوري، أما السبب في رأيه فلكون رئيسه أسيراً للمذهب العلوي كما جاء بالنص في التصريح ذاته.
وقد أثار مشايخ آخرون الدعوة ذاتها، وإن كانوا فقهاء محليين في أوطانهم، لا يملكون المكانة العالمية والشهرة الواسعة التي يملكها الشيخ القرضاوي.
في رأيي أن إثارة النعرات الطائفية، والتعويل عليها في النقد السياسي للأنظمة، تصرف لا يمتُّ للحكمة بصلة.
فهو لن يضر النظام بقدر ما سوف يشحذ هِمَم من هم على ذات المذهب إلى الاصطفاف خلفه، لتتحول المعارضة من كونها معارضة سياسية، بين حاكم ومحكومين، أو بين نظام ومواطنيه، إلى نزاع طائفي، أو ديني، يرفض الحاكم من منطلقات محض طائفية.
وسوريا كما هو معروف دولة تتشكل من فسيفساء طائفية وعرقية متعددة المشارب والتوجهات، وعندما تنطلق في نقدك لنظامها من منطلقات طائفية أو عرقية، معنى ذلك أنك تسعى إلى إثارة النعرات الطائفية أو العرقية، التي عرفها العالم في العصور السحيقة، ونبذتها اليوم الأمم المتحضرة.
قد أقبل من فقيه محدود الرؤية، منحدر الوعي، ضيق الأفق، مثل هذا الكلام، على اعتبار أن ثقافته لا تتعدى ثقافة الماضي، وعلاقته بثقافة ومنطق العصر في غاية الضعف؛ أما الشيخ القرضاوي فليس لدي أدنى شك أنه رجل مثقف، وعلى قدر كبير من الوعي بالعصر، وكذلك بحقوق الإنسان بغض النظر عن طائفته أو عرقه، لذلك فإنني أستغرب حقيقة أن يتخذ الشيخ القرضاوي مثل هذه المواقف.
وأنا هنا لا أدافع عن النظام السوري، فكما يقولون: (أهل مكة أدرى بشعابها)، ولكنني أنبه إلى خطورة أن تأخذ الاحتجاجات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية منحاً طائفياً، لأن ذلك سيدخل سوريا، وأية دولة أخرى متعددة المذاهب والأعراق، إلى نفق مظلم، سينتهي إما إلى (حروب أهلية) على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي، أو إلى تقسيم البلد الواحد على طائفي أو عرقي، والتاريخ الحديث مليء بالأمثلة؛ وليس ما يجري في العراق عمّا أقول ببعيد.
المعارضة السورية تنبهت منذ البداية إلى هذه الحساسية، لذلك حرصوا على تفريغ هذه الحجة منذ البداية، فأكدوا أن (الحرية والإصلاح) هو مطلبهم، وأن احتجاجاتهم لا علاقة لهم بمثل هذه المنطلقات الطائفية، عندما رفعوا شعار: (لا إخوان ولا سلفية، وحدة وحدة وطنية)؛ وكل المعارضين السوريين على مختلف توجهاتهم يتفقون على أن هذه الاحتجاجات لا علاقة لها بطائفة أو حزب أو جماعة، بقدر ما هي مطالب وطنية بحتة، يُطالب بها كل المواطنين تحت راية الوطن الذي يتسع للجميع، ولا يتوقف الحكم فيه على طائفة أو مذهب أو عرق دون الآخر.
بقي أن أقول إن هناك بعض الفقهاء في المملكة ممن لهم صفة اعتبارية رسمية، اتخذوا - أيضاً - مواقف معارضة (علنية) مما يجري في البلدان العربية من احتجاجات.
قد نقبل مثل هذه الاحتجاجات من فقيه أو صاحب رأي مستقل لا يُمثل إلا نفسه، فهو حُر في ما يقوله؛ أما إذا كان للفقيه صفة اعتبارية رسمية، فهناك موقف ثابت للمملكة منذ الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - مؤداه أننا لا نتدخل في شؤون الآخرين، ولا نقبل أن يتدخل الآخرون في شؤوننا.
وعندما يُقحم الفقيه الرسمي نفسه في الحديث عن شؤون الآخرين، فهو يفتح الباب على مصراعيه للآخرين - (ملالي إيران مثلاً) - للتدخل في شؤوننا الداخلية.
إلى اللقاء.