في فعاليات أيام المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية اعتدنا إطلال طفولتنا على حيز المكان وفضاء الزمان وهي تعتلج بأسئلة قديمة حول رؤيتنا الآنية للتراث ومتابعتنا لإنجازات الماضي البسيط، فيقف السؤال الحاذق دائماً.. أين ألعابنا وسط هذا الحضور التراثي؟! فرغم أنها أيام وتنقضي إلا أنها تظل شاهدة على عمق هذا السؤال الذي قد يعجز البعض من القائمين على شأن التراث وهم يحرسون هذا البنك المعنوي الزاخر بمدخراته التراثية وأرصدته المعرفية التي تتجاوز حدود ما هو مادي أو مصنع إلى أعمق من ذلك، لأن التراث وإنجازات الأهل وعطاء الأجداد يفوق في قيمته أي تصور.
ما قد نلحظه في الجنادرية بشقها التراثي (القرية الشعبية) وما يعتلج فيها من مناشط وممارسات يحاول بعضها أن يحاكي الماضي على نحو «السانية» حينما تخرج الماء من جوف الأرض، وصناعة الأدوات والحلي وإعداد الأطعمة، أو ما قد يشيد من بناء، وبعضها ما قد يرسم ويتم توثيقه بالصور فيراد فيه تقريب صور جمالية من بلادنا بهيئة توحي بالفرادة والعمق والتراث الذي يتجاوز النظرة السطحية لتكويننا المادي الجديد.
فمنهم في سني الستين لا شك أنهم يناوشون بعضاً من هذا العبق للماضي الذي تداخل بالحاضر بشكل خاطف وسريع، ربما كان للآلة دور في توسيع الهوة لاسيما حينما تحولت الألعاب على وجه الخصوص من ممارسة وحركة تحاول القرية الشعبية في الجنادرية استنهاضها إلى ألعاب مرئية تعمد إلى الفرجة والتأمل على نحو مشاهدات التلفاز أو شاشة الكمبيوتر أو ما سواهما من وسائل وتقنيات حديثة.
أمر آخر أصاب ألعابنا العفوية والمسلية أنها تحولت إلى مجرد تجارة وعرض وطلب وتنوع في الوسائل والمواد، بل أصبحت مكلفة في تصنيعها واستيرادها وسرعان ما يعزف عنها الأطفال للبحث عن غيرها.
قد يقف أحد ما من حضور الجنادرية أمام ألعابها التي تحاكي الماضي ليجد أنها قد تحولت إلى مجرد مشهد تمثيلي تثير طرافته الفضول وربما الضحك، ومن ثم العبور من أمامه إلى مشهد صامت، أو متحرك آخر، إلا أننا في هذه المناسبة ندرك جميعاً أن الماضي كنز يجب ألا نفرط فيها، بل هو بنك عملاق للمعاني - كما أسلفنا - فيجدر بالجميع التعاطي معه بوعي لأنه امتداد حقيقي للحياة التي نعيش تفاصيلها اليوم.