|
الجزيرة - الرياض :
منذ أن دخل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى الرياض فَجْر يوم الخامس من شوال عام 1319هـ جعل التعليم هدفاً أساسياً ومحورياً في إعداد الناس وبناء البلاد، وذلك من خلال مجلس الملك الذي ظل مفتوحاً للأعيان والمسؤولين وضيوف الدولة ولجميع من يأتي لمقابلة الملك. وفي 3 رمضان 1344هـ صدر أمره بإنشاء مديرية المعارف العامة، ومهمتها: «نشر العلوم والمعارف والصنايع وافتتاح المكاتب والمدارس والمعاهد العلمية مع فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين الحنيف في المملكة الحجازية كافة». وفي 27 محرم 1346هـ تكوَّن أول مجلس للمعارف، ومن مهامه توحيد التعليم في الحجاز.
جُعل التعليم مجانياً وإجبارياً، ووُضع نظام تعليمي يشمل التحضيري والابتدائي والثانوي والعالية، وجاء أول قرار ابتعاث في 4 جمادى الأولى 1346هـ؛ ليسافر إلى مصر أول فوج مكوَّناً من أربعة عشر تلميذاً، ستة منهم من مكة المكرمة، وثلاثة من المدينة المنورة، وثلاثة من جدة، واثنان من الطائف. وخُصِّصت لهم مكافآت شهرية ونُزُل خاص بالقاهرة، ويرافقهم مراقب. وعاد بعضهم إلى البلاد عام 1354هـ يحملون شهادات جامعية في علوم الشريعة والأدب والطب والتجارة.
ثم توالت البعثات بعد ذلك إلى بلاد أخرى مثل بريطانيا وإيطاليا وأمريكا. وفي عام 1369هـ بلغ عدد المبتعثين إلى الخارج 192 طالباً.
ولأن أول بعثة واجهت صعوبات دراسية؛ لأنهم لم يدرسوا بعض المواد الضرورية مثل الكيمياء والطبيعة واللغة الأجنبية، اجتمع مجلس المعارف لدراسة الحالة، وأصدر قراره المبني على حاجة البلاد إلى متخصصين في مجالات القضاء والعلوم والهندسة والطب برقم 17 في 29-2-1355هـ بإنشاء مدرسة ثانوية تضم قسمَيْن أدبي وعلمي، ويُعيَّن بها مدرسون أكفاء من الداخل والخارج. أدرك الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وقت ذاك، وبدافع حرصه على مصلحة كل مواطن، أن كثيراً من المواطنين لا يرحبون بالتعليم في صيغته الحديثة؛ بعضهم يقاوم التعليم من مفهوم ديني خاطئ، وبعضهم يشك في مستقبل أبنائه بعد التعليم؛ لذلك قرر افتتاح مدرسة دار التوحيد في مدينة الطائف؛ لتُدرِّس العلوم الدينية واللغة العربية وآدابها والتاريخ الإسلامي. وقد فتحت المدرسة أبوابها عام 1364هـ، والتحق بها طلاب من «الرياض وعنيزة وحائل وشقراء والمجمعة والأحساء ومدن الجنوب وسائر مدن المملكة».
وفي عهد الملك سعود - رحمه الله - تأسست أول وزارة للمعارف تتولى «الشؤون المتعلقة بالمعارف والنهوض بالتعليم إلى المستوى اللائق بالبلاد»، وأسند مهامها إلى أخيه صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - (خادم الحرمين الشريفين الملك فهد فيما بعد)، الذي بدأ العمل ضمن خطة تطويرية شملت المعلِّم والمنهج والمبنى المدرسي وتعليم الكبار ومحو الأمية والإدارة التعليمية.
ومن ذلك التاريخ شهدت البلاد نهضة تعليمية؛ فانتشرت المدارس في المدن والقرى والهجر. وقد أسس الوزير الأول للمعارف مدارس سيَّارة تتبع البدو في تنقلاتهم أثناء الشتاء والصيف، ومجلة المعرفة، وقامت وزارة المعارف برعاية المدارس الأهلية للبنات، وبعد مشاورات صدر مرسوم ملكي بفتح مدارس حكومية لتعليم البنات، وأُنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات برئاسة سماحة مفتي المملكة.
واليوم يقف التعليم في مقدمة اهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يشهد التعليم في عهده نقلة تقنية هائلة، ابتدأت بالمشاريع والبنى التحتية لتطوير التعليم مروراً بالتجهيزات والمقررات الدراسية والمباني الحديثة.