وصلتني رسالة لطيفة عبر الإيميل من الطالب بدر عبدالعزيز الرشيد في الصف السادس طلب مني نشرها في منشودي بجزيرتنا الحبيبة داعياً لي ولوالديَّ وأولادي. وفي رسالته، يبدي بدر امتعاضه الشديد من تصرفات زملائه الطلاب في المدرسة وبالأخص عدم الاهتمام بالنظافة. مبرئاً وزارة التربية والتعليم من كل التبعات التي تتعلق بهذا الموضوع.
يقول بدر الصغير عمراً، الكبير عقلاً وفكراً: (الطلاب يظلمون وزارة التربية والتعليم بتحميلها انعدام النظافة في الفصول وبشاعة منظر الحمامات!) ويتساءل: (من الذي لوثها هل هي الوزارة أم المدير أم الطلاب؟ ومن الذي يكتب على جدران المدرسة ويشوهها؟.. هل هو الحارس أم الجيران؟).. ويرجو من طلاب المدارس عامة البدء بحملة نظافة شاملة على جدران المدرسة ودورات المياه والفصول، مروراً بالنظافة الشخصية. ويطالبهم بأن يعتبروا مدرستهم هي بيتهم! وينصح زملاءه بالحرص على التعليم والمذاكرة الجادة ويختم رسالته الجميلة بقوله (أنتم يا كبار ستبنون الحاضر، وأنتم يا صغار.. كبار المستقبل)!.
وقد أحيت رسالة بدر أملاً في نفسي كاد أن يزهق! فهو يصف معاناته ويشخص الداء بشجاعة وجرأة، ولا يلقي بالتبعة على الحكومة كما يحلو للكثير تحميل الدولة كل السيئات برغم أنها أخطاء اجتماعية يجدر بنا تصحيحها ابتداء من الشعور بأن لدينا مشكلة وانتهاء بضرورة حلها.
وسعدت بالرسالة كثيراً، حيث وصلتني وأنا أكاد أفقد بعض عُرى الثقة بأبنائنا الطلبة والطالبات. فكلما دخلت مدرسة وجدت فناءها أقرب لحاوية النفايات! فهذه أوراق تتطاير في الساحة، وتلك فطائر تسبح بالعصائر، وهناك علب الماء تتدحرج على الأرض، وجدران لطخت بالكتابات والاحتجاجات، عدا عن دورات المياه المفتقدة لأصول النظافة ومبادئ الطهارة، والتي أبدى كثير من أولياء الأمور غضبهم من وضعها البائس، واشتكوا بأن أبناءهم يضطرون لحصر البول كيلا يستخدموا دورات المياه الوسخة! برغم أن دورات مياه المدارس والمساجد هي واجهة المكان، وهي الدلالة على مدى النظافة والعناية والاهتمام، بيد أنهما أسوأ مكانين نظافة وعناية واهتماماً!.
وثقافة القذارة وافدة على ديننا الإسلامي الذي يدعو للنظافة، كما أنها دخيلة على مجتمعنا العربي السعودي، حيث كان آباؤنا يتميزون بالنظافة رغم ضعف الإمكانيات والموارد ونقص أدوات النظافة.
يسوؤني حقاً رؤية شوارعنا قذرة برغم كثافة عمال النظافة الذين لم يستطيعوا السيطرة على بقائها نظيفة، فالإحباط قد ضرب عروقهم، لأن أعمالهم مكررة ومملة، والنتائج ضعيفة. وما تقوم به أقسام النظافة في البلديات من جهود في أيام يقضى عليه في ساعة.
ورغم ذلك فأنا على ثقة بأن بدر الرشيد سيكون أنظف مواطن لأنه شعر بهذه المشكلة وهو طفل صغير، ولمسها في أرجاء مدرسته وضاق بها ذرعاً فاتجه للصحافة يناشدها لتساعده؛ لإدراكه بتأثيرها في الرفع من مستوى الوعي المجتمعي، وها هي الصحافة معك يا بدر ومع كل من وما يخدم بلادنا، وأدعو ربي أن يحرسك ويرعاك وتكمِل تعليمك لتتخرج مهندساً ومن ثم رئيس بلدية. وأتوقع أن تكون ناجحاً ومخلصاً وتفعِّل عين النظافة وتداويها من الرمد الذي أدى لتغميضها وضعفها وهزالها وعدم جديتها في فرض العقوبات الوهمية التي أطلقتها للتهويش وليس للتطبيق ففقدت مصداقيتها، لذا تهاون المجتمع في أصول النظافة!.