لم تكن الندوات وورش العمل في معرض ومؤتمر وزارة التعليم العالي الدولي الثاني الذي احتضنته العاصمة الرياض الأسبوع الماضي وشرُف برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لم تكن هذه الندوات الأربع أقل أهمية ونجاحاً من أجنحة المعرض السعودية والعالمية التي شهدت إقبالاً كبيراً وبصورة ملفتة للنظر، ولعل وسائل الإعلام المختلفة نقلت حقيقة ما حدث بصورة متميزة، ومن المحاور المهمة في الندوات ما دار من نقاش ومدارسة حول أثر الأزمة المالية العالمية على التعليم العالي العالمي، إذ أبانت أوراق العمل المتخصصة - التي قدمها مديرو جامعات ومسؤولون كبار عن التعليم في بلاد العالم المتقدم - عن أن هناك عدداً من الجامعات العالمية أغلقت أبوابها وأخرى اضطرت إلى الاندماج مع جامعات أخرى تتماثل معها في المسار والرؤية والهدف والتخصصات وثالثة تترنح يمنة ويسره وما زالت تخشى السقوط ورابعة غيرت في أنشطتها وخامسة قلصت كلياتها وسادسة انتقلت إلى بلاد أكثر استقراراً وأقوى اقتصاداً، والكل اليوم يحرص على تسويق نفسه بوسائل مختلفة ومن بينها هذه المعارض الدولية وكذا استغلال المناسبات العالمية من أجل أن يضمن على الأقل البقاء ويجد لنفسه قدماً قوية في السوق التعليمي العالمي، والسوق الخليجي سوق جيدة ومغرية ولذا تتجه لها أنظار العلماء والساسة ويخطط عليها الاقتصاديون والمسؤولون في التعليم العالي في أمريكا وكندا وأوربا والصين واليابان وأستراليا، ويمكن النفاذ لهذه السوق كما هو معروف من خلال الاتفاقيات الثنائية أو الاتصالات الشخصية أو الاستفادة من العلاقات السياسية الجيدة أو الاستقطاب المبرمج للطلاب والطالبات أو المؤتمرات والندوات والأنشطة الثقافية المشتركة.
إنني شخصياً أعتقد أن شراء هذه الجامعات بمعاملها وخبرائها وباحثيها وأساتذتها ومقارها ومناهجها ومستشفياتها فرصة ثمينة أمام الدول الخليجية وكذا المستثمرين الجادين الذين ينظرون إلى المستقبل البعيد فنحن في عصر العلم الذي لا حدود له والحديث عن اقتصاد المعرفة على أشده وليس هو لأحد دون الأخر فهو ملك الجميع والتنافس فيه حق محفوظ للكل.
لقد استطعنا بما أفاء الله علينا من ثروات أن نشتري أندية رياضية مشهورة وأن ننافس على لاعبين عالميين وندفع مبالغ طائلة من أجل الظفر بهم، أليست الجامعات والعلماء والمختبرات والمكتبات أجدر وأجدى على المستوى الفردي الاستثماري وكذا المجتمعي بل وحتى العالمي؟
عندما سقط الاتحاد السوفيتي تسابقت الدول الأوروبية ونافستها إيران وإسرائيل على الظفر بعلماء الذرة والمختصين في التقنية والطب والهندسة ونحن نتفرج، وحدث نفس السيناريو حين أُسقط العراق، وما يتحدث عنه اليوم عن وجود سوق مربحة وتجارة جيدة في دول كبرى هي الفرصة الثالثة التي تسنح لنا نحن الخليجيين لقرع الباب والولوج للعالمية عن طريق المعرفة ومن باب العلم، فهل يكون لنا الظفر؟.
في المقابل يجب أن تنوع جامعاتنا السعودية مصادر ميزانياتها وتسعى جاهدة وجادة في هذه الفترة التاريخية الذهبية للاستفادة القصوى من دعم القيادة الحكيمة اللامحدود وكذا التوظيف الأمثل للطفرة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا الغالية في إكمال البنية الأساسية وتشييد جميع مرافقها وبناء مدنها حسب ما هو مخطط له ومصمم حتى لا تقف في منتصف الطريق.
إن تجربة جامعة الملك سعود في البحث الجاد والعمل المستمر من أجل تنويع مصادر الدخل وتعزيز ميزانيتها من خلال الشراكات الحقيقية مع القطاع الخاص وتبني مشاريع وقفية طويلة الأجل واستقطاب علماء وخبراء مرموقين والدخول إلى منتدى الكبار بوسائل علمية مشروعة ومدروسة تجربة تستحق الإشادة والتعميم فضلاً عن الدعم والتشجيع، فما يمكن أن يُتوصل له اليوم قد يكون في الغد من المستحيل، وما يدري الإنسان ماذا سيكون في مستقبل الأيام، وبناء الإنسان وتعليمه عملية لا نهاية لها ولا يمكن التخلي عنها بحال فهي سر التفوق وطريق النهضة وسبيل التقدم.. وإلى لقاء والسلام.