نعيش في وطن أسس على الدين والتقوى وعلى حفظ أمن المواطن وسلامته وممتلكاته بكافة أشكالها. غير أن الزمن اختلف و مدننا كبرت واختلط سكانها. وظهرت لدينا مشاكل الحضارة الحديثة مثل المخدرات والطمع في المال السريع بأية وسيلة، ودخل البلاد الكثير من الوافدين.....
..... الصالحين الراغبين في العمل والعطاء وفي لقمة عيش كريمة، غير أنه خالطهم، وللأسف، قلة من بعض الطالحين أيضا الذي قدموا لأهداف أخرى غير سوية. فسمعة بلادنا وصيتها بالرفاهية والغنى جعلها قبله لبعض من تسول لهم نفوسهم المريضة ممن لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا يميزون بين الكسب المشروع من غير المشروع، وهذا أدى إلى تفشي كثير من الظواهر الإجرامية وعلى رأسها السرقة والسطو.
فقد يعود المواطن المسكين لمنزله هذه الأيام بعد خروجه إلى نزهة قصيرة، أو عشاء في مطعم أو أداء واجب عائلي, أو سفر قريب ليجد أن هناك من دخل منزله ونظفه من كل غالي ونفيس. وقد يعود عريسان من شهر العسل ليجدوا أن ما فرحوا من هدايا أو مصوغات قد نهب مع ما بقي لهم من مدخرات. وتكرر هذه الأيام أخذ خزائن الأمان المنزلية التي تزن أكثر من مئة كيلو كاملة بكل ما فيها من نفائس، وأوراق أو مستندات ليتم فتحها في ورش في مكان آخر بعيد مما يدل أننا أمر منظم وله دعم لوجستي.
المواطن المسكين لا يفيق من هول الصدمة إلا بعد أيام عدة عندما يرسخ في ذهنه مقدار فداحة خسارته وأنه فعلاً، وفي غمضة عين خسر شقاء عمره بهذا الشكل الظالم. فهو قبل ذلك يركض كالقريص إلى جميع مراكز الشرطة القريبة والبعيدة لعله يجد من ينجده أو حتى على الأقل يوضح له كيف حدث ذلك له، ليخرج فقط بالمواساة والتعزية، ويقال له ببساطة، الأمر يسهل، والحمد لله على سلامتك، في المال ولا في الحال، وإذا، إن شاء الله تبين لنا شيء اتصلنا فيك، وكالعادة لا يتبين شيء.
الأمر الأغرب هو أن هذه الحوادث أخذت تتكرر في أماكن متفرقة، وفي أوقات غريبة أي في عز النهار أو النصف الأول من الليل بشكل منظم محترف، مما يدلل على أن من يقومون بها آخذو راحتهم فعلاً. فتتم مراقبة البيت ورصد حركة أهله، وأوقات دخول أهلهم وخروجهم، وفور خروج العائلة تتبعهم سيارة مهمتها التأكد من عدم عودتهم خلال أداء المهمة بينما تقوم المجموعة الأخرى بتنظيف المنزل. وإذا صدف وبقي أحد في المنزل فسيتم إرعابه أو لا سمح الله إيذاؤه. وفي أحيان أخرى يتم السطو على المنازل عنوة وتحت تهديد السلاح.
وهناك حديث عن عصابات منظمة متخصصة في ذلك، وأن هناك توزيع لأحياء العاصمة بين هذه العصابات. ويتداول الناس قصص عن أناس أوقفوا، واحتجزوا ممن دخل لمنازلهم فتوعدوهم اللص بإرهابهم والاقتصاص منهم إذا ما بلغوا الشرطة ولم يخلوا سبيله، وتم إخلاء سبيل بعضهم فعلاً خوفا من الانتقام منهم أو أولادهم، ولعدم ثقة الناس في الحماية التي يمكن أن توفر لهم مستقبلاً. فالناس تخاف فعلاً من حمولة أو عشيرة الشاب المقبوض عليه فيتم إطلاق سراحة برجاء عدم العودة مجدداً.
هذا الأمر تتكرر هذه الأيام بشكل وبائي، والكاتب يعرف أكثر من ستة منازل سرقت في مدة لا تتجاوز الشهرين. وأصبحت أحاديث الناس في مجالسهم تدور حول كيفية حماية منازلهم وممتلكاتهم من هؤلاء الذي يستسهلون دخلوها بكل وقاحة واستهتار. وانتعشت تجارة أجهزة الإنذار، وكاميرات المراقبة بحيث أصبحت مؤسسات الحماية «في كل عايرة». فإذا افتقد المواطن للأمن في منزله فأين سيجد الأمن؟
لا أحد يعرف من أين يأتي هؤلاء، وما هي جنسياتهم، لأنه في الغالب لا يقبض عليهم، وإن حصل وقبض عليهم فلا يشهر بهم. وهناك إشاعات أنهم يأتون من بعض الأحياء المحيطة في الرياض والتي أصبحت مثل عشوائيات المدن الكبرى الأخرى في الخارج، تكدس سكاني في أماكن شبه مغلقة داخلها مفقود وخارجها مولود. وكما يشاع يأتي اللصوص من هذه الأحياء، وإليها تؤخذ المسروقات التي تجد من يصرّفها إما ببيعها أو تهريبها للخارج. وبالطبع توجه الكثير من الاتهامات للعمالة المنزلية من شغالات وسائقين، إلا أن هناك كثير من المعلومات تشير إلى أن الأمر يتم دون مساعدتهم. ومع انتشار الوثائق المزورة من إقامات، ورخص قيادة، وغيرها فيمكن فعل أي شيء بأية وسيلة.
وحتى لا تترك الأمور للشائعات، فالجميع يرغب في أن تفصح الجهات الأمنية، بكل شفافية عن حجم هذه المشكلة، وعن حجم البلاغات التي تصلها، وماذا فعلت حيالها. وأن تبدأ بحملات تثقيف للمواطنين حول كيفية تجنبها، أو أفضل الطرق للتعامل معها إذا ما وقعت. وكيف يمكن للمواطنين حفظ منازلهم. كما أنه يجب وضع آلية إليكترونية دقيقة لحفظ بلاغات المواطنين، ووضع اسم مستلم البلاغ عليها، وتزويد المواطن بنسخة منه لمتابعتها إليكترونياً والتأكد من أن هناك من يتابعه دونما حاجة لزيارة مركز الشرطة من أجل ذلك. وهذا أيضاً يمنع العبث بهذه البلاغات وخاصة تلك التي تكون حول مركبات أو سيارات مسروقة أو مرصودة.
ثم نتمنى من المسؤولين صراحة تغليظ عقوبة السرقات من المنازل بشكل يردع من تسول له نفسه السطو على منزل مواطن آخر، أو دخوله دون أذن من أصحابه من مجرد التفكير في ذلك، وألا يكتفى بسجنهم فقط. وأن توضع حرمة المنازل على قدم المساواة مع حرمة الوطن فيصنف السطو على المنازل على أنه جريمة إرهاب لا سرقة. وإذا ما قبض على سارق وسجن بعد ذلك ألا يشمله أي عفو لأي سبب كان. ثم الحكم بإهدار دم كل من يتعرض لأذى جراء محاولته السرقة، وألا يتحمل صاحب المنزل أي مسئولية لما يحصل بسبب دفاعه عن ماله وعرضه، بل على العكس من ذلك يجب أخذ تعهد من ذوي مرتكب الجرم بعدم التعرض لصاحب البيت بأي شكل من الأشكال مستقبلاً من قبيل الاقتصاص أو الانتقام.
ويجب، من ناحية أخرى، معاملة من يشتري المسروقات، فرداً كان أو متجرا أو مؤسسة على أنه شريك كامل في السرقة، وأن تغلق المؤسسة ويمنع صاحبها من ممارسة التجارة لمدة طويلة، وأن تراقب، وتغلق جميع منافذ بيع المسروقات مثل بعض المزادات، أو أماكن المجوهرات المستعملة، بحيث لا تبيع هذه المحال أي بضاعة بدون وثائقها الرسمية، ويمكن وضع قائمة إليكترونية سرية بجميع المسروقات تعمم على أماكن بيع مثيلاتها، فلا شك أن سهولة التصرف بهذه المسروقات هي أحد محفزات السرقة. ونأمل أن نسمع قريباً ما يبدد تخوفات وتوجسات المواطنين على منازلهم، وأن يوفق الله أجهزتنا الأمنية في الحد من هذه الظاهرة الإرهابية.