الورد جميل، والأجمل منه القصيدة الجميلة، وأنا أعرف الورد، وأعرف أسماءه وخصائصه وأنواعه وأشكاله، وأعرف كيف أختاره، وكيف أمنحه لمن أحب، وبأي طريقة أو أسلوب أهديه، وأعرف القصيدة، وأعرف بأي عقلية تكتب، وبأي ألوان تصبغ، وبأي ذهنية تتشكل، وبأي ماهية تكتب، هل تكتب بحكمة (سقراط) أم (أفلاطون) أم برعب وجنون ودموية عصابات المافيا وجماعات القتل والرعب، أنا أحب الورد، وأحب أكثر القصيدة الجميلة، لذا أريد القصيدة كالمرأة الحسناء، التي تعلمني الحب والحياة والفرح الجميل، تعلمني بأن الشتاء حل، وأن الريح ستكون باردة، وسيكون لها صوت مثل صهيل الخيل الجامحة، وأن علي أن أتدثر بملابس ثقيلة، وأقبع في الزاوية الدافئة، بعدها توقضني بصوت رقيق وأصابع ناعمة من سباتي لأخوض جدلاً عميقاً مع من أصابوا القصيدة بتشوهات خلقية وجعلوها مصابة بالسل والدرن والوجع الدفين، هؤلاء البعض من المراهقين الكبار والصغار الذين جردوا القصيدة من مضامينها الفكرية والفنية والتصويرية ومارسوا عليها أبشع أنواع القهر والاغتصاب، سرحوا شعرها الانسيابي الطويل وقدموها جارية حسناء بثمن للآخرين، هؤلاء البعض قطعاً لا يعرفون القصيدة ولا يعونها، لا يعرفون طقوسها ولا مناخاتها ولا متى يجيء المطر، هؤلاء البعض لا يعرفون فصول القصيدة، لا يعرفون ما هو ربيعها ولا ما هو خريفها ولا ما هو صيفها والشتاء، هؤلاء البعض لا يعرفون أبجدية القصيدة ما هو ألفها وما هو بائها وما هو آخر حدود الكلام، هؤلاء البعض لا يعرفون بأن للقصيدة تاريخاً طويلاً، تاريخاً عند العرب العاربة والعرب المستعربة والبيزنطيين والرومان والفرس والصينيين والقوقازيين وحتى لقبائل القرن الإفريقي وسكان التبت، هؤلاء البعض لا يعرفون بأن للقصيدة جغرافيا، وسلاسل جبال وتلال وأودية وأخاديد ومنحدرات، هؤلاء البعض لا يعرفون بأن للقصيدة مدائن لها مداخلها وطرقاتها ومتاحفها ومآذنها وناسها، هؤلاء البعض لا يعرفون بأن للقصيدة بحار وشواطئ وطيور وأسماك وعواصف بحرية وبرية ومدارية، هؤلاء البعض من الشعراء تكاثروا مثل ذرات الرمل نمو حولنا ومعنا وبيننا، توالدوا وتكاثروا حتى صار لهم سلالات وتابعين وفلسفات ورموز، هؤلاء البعض من الشعراء مسافرون على دروب الملح والعطش، مسافرون من وجع إلى وجع، ومن تشرد إلى تشرد ومن موت إلى موت ومن ظلام إلى ظلام، هؤلاء البعض لا يقولون القصيدة إلا لمن يريدون أو يشاؤون أو لغاية في انفس يبتغون، يمدحون من يشاؤون، ويذمون من يشاؤون، يحبون من يشاؤون، ويكرهون من يشاؤون، هؤلاء البعض تحولت القصيدة عندهم من حالة شعرية ذات قضية وهدف إلى حالة تسول كلي وتام، لقد تركنا هؤلاء البعض يركضون في المدار والفضاء لوحدهم، يزرعون في أرضنا وفضائنا غثاً فكرياً وشوكاً وقنابل عنقودية، تركناهم يمارسون علينا نوعاً من الهدم الثقافي والفكري واغتيالاً صريحاً للذائقة، أن هؤلاء البعض السذج يقومون بغزونا محاولين فتح ثغور اللهو والعبث والفوضى والنكوص، مطبلين ومزمرين وراقصين، أن هؤلاء البعض فقدوا رشدهم وأخذوا يعبثون كيفما شاءوا وأرادوا، أن البعير يعجز أن يدخل في سم الإبرة، لكن هؤلاء البعض لم يعجزوا في دخول العقول الصغيرة والكبيرة عن طريق الشحن والصراخ والعويل واجترار الكلام الأصفر المزيف، إنني أشعر بالأسى والحزن العميق إلى ما وصلت إليه الحال من جراء لغط هؤلاء البعض المخربين للذائقة والذوق، إن هؤلاء البعض من الشعراء لا يحبون رائحة الياسمين ولا رائحة أزهار النباتات الزكية، بقدر ما يحبون ويعشقون الانكسارات والهزائم والنكوص والهوان والتخاذل، إن المتابع للأعمال العبثية لهؤلاء البعض يشعر بمدى الرغبة العارمة في استخراج كمية كبيرة من بقية الطعام نتيجة العسر الهضمي لما يرى من أطروحات وبرامج تعبوية غير هادفة وغير ناضجة وليس لها مضمون سوى التدمير والهدم والتقهقر والكلام الكسيح الضعيف.