|
الجزيرة - الرياض
في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر إدارة المشاريع الثالث، الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي، قدَّم خبير التخطيط الاستراتيجي والمشاريع الدكتور سليمان العريني عرضاً تفصيلياً لتجارب 8 دول في مجال التخطيط الاستراتيجي ومقارنتها بأسلوب المملكة في تنفيذ المشاريع على مدى العقود السابقة. وجاءت الورقة بعنوان «التخطيط الاستراتيجي للمشاريع: مقارنة دولية»، وذلك خلال الجلسة الأولى برئاسة سمو الأمير الدكتور خالد بن عبدالله المشاري آل سعود، ومشاركة الدكتور حبيب زين العابدين وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية، والدكتور أحمد حبيب صلاح وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط.
وقد ركَّزت الورقة المقدَّمة من د. العريني على عرض نموذج التخطيط الاستراتيجي للدول الذي يتضمن ضرورة وضع رؤية وخطة استراتيجية شاملة لجميع القطاعات التعليمية والصحية والخدمات والمرافق والبنية التحتية، بحيث يتم وضع برامج ينطلق منها مشروعات، مع تحديد برنامج زمني دقيق ومؤشرات أداء تساعد في الإشراف ومتابعة المشاريع. وقد عرض د. العريني مقالة منشورة في إحدى الصحف السعودية تعود إلى تاريخ 7 يوليو من عام 1973م (أي قبل تقريباً 40 سنة)، تتحدث عن تطلعات المواطن بمناسبة إصدار الميزانية لتلك السنة، تطلعات لم تتغير وما زال هناك الكثير مطلوب عمله.
وفي الجزء الثاني من الورقة عرض الدكتور العريني تجارب ثماني دول في التخطيط الاستراتيجي في قطاعات التعليم والتمويل والتخصيص والصناعة والبنية التحتية والإدارة؛ حيث بدأ في تجربة فنلندا في تطوير التعليم التي تُعتبر نموذجاً ناجحاً على المستوى العالمي؛ فبعد تنفيذ مشروع تطوير التعليم في فنلندا أصبح الطالب في المرحلة الابتدائية يملك المهارات الأساسية في العلوم والرياضيات واللغات بحد أدنى ثلاث لغات قراءة وكتابة وتحدثاً؛ لتصبح فنلندا من أفضل عشر دول في العالم في التعليم وتنمية الموارد البشرية. كما تم أيضاً عرض لتجربة بريطانيا في التخصيص في الثمانينيات وبقيادة مباشرة من رئيسة مجلس الوزراء مارغرت تاتشر؛ حيث تم تخصيص عدد من الخدمات والنشاطات الحكومية، من أهمها الطيران وسكك الحديد، نتج منها تخفيض في النفقات الحكومية وزيادة في الإيرادات الحكومية مع رفع مستوى وجودة الخدمات.
وفي تجربة سنغافورة تم توضيح كيفية نجاح سنغافورة في نقل الدولة من بلد فقير في الستينيات إلى أغنى دولة خلال عقدين من الزمن فقط؛ فقد ركّزت سنغافورة على إنشاء مدن اقتصادية بلغت حتى عام 2010 (34) مدينة، يعمل بها أكثر من (8) آلاف شركة عالمية؛ لتصدر أيضاً تجربتها إلى أكثر من (40) دولة وأكثر من (145) مدينة في العالَم، تجربة تُثبت نجاح سنغافورة في جلب الاستثمارات الأجنبية.
كما تم أيضاً استعراض تجربة نيجيريا في إدارة عائدات النفط، التي تُعتبر ثامن أكبر مُصدِّر للبترول والغاز في العالم، إلا أن العائد من تصدير البترول والغاز لم يتم استثماره في تنمية وتطوير نيجيريا نتيجة لسوء الإدارة وانتشار الفساد والفقر.
كما تم أيضاً عرض تجارب الهند وسويسرا والنرويج الناجحة في مجال تنمية وتطوير الموارد البشرية.
ففي تجربة النرويج فيما يتعلق بتنويع مصادر البترول نجحت النرويج في تقليل الاعتماد على النفط؛ وبالتالي ضمان استقرر تمويل المشاريع والخدمات الحكومية من خلال استثمار العائد من مبيعات النفط في صناديق استثمارية في أصول منتجة حول العالم، وبشفافية وحوكمة ومساءلة دقيقة ومتكاملة، على أن يتم تمويل الميزانية من عائدات الاستثمار.
وفي الجزء الثالث من ورقة العمل المقدَّمة ومن الدكتور العريني استعرض الوضع الحالي لمراحل إعداد الميزانية وتنفيذ المشاريع في المملكة، وأشار إلى عدد من النتائج والملاحظات، من أهمها غياب رؤية وخطة شاملة تعمل عليها جميع القطاعات الحكومية؛ حيث تعمل القطاعات الحكومية بشكل منفرد ومنعزل كجزر منعزلة في كل قطاع، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وتصريف سيول، مع غياب العمل بشكل مؤسساتي وغياب استخدام مؤشرات أداء علمية (KPIs) لمتابعة ومراقبة المشاريع، وعدم وجود شفافية ومعلومات دقيقة ووقتية عن وضع وأداء المشاريع، وضعف في الرقابة والمحاسبة، مع تضخم النفقات وتكرار الإنفاق الحكومي على المشاريع وانخفاض العائد على الاستثمار في المشاريع بشكل عام.
وقد خلص الدكتور سليمان العريني إلى عدد من التوصيات، من أهمها: إنشاء هيئة عليا للمشاريع تُعنى بتطوير رؤية وخطة استراتيجية شاملة، وتكون مرجعية في ترجمة الخطة لبرامج ومشاريع ووضع مؤشرات أداء والإشراف على تنفيذها، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط في تمويل الميزانية الاستثمار للأجيال القادمة، وإعادة النظر في أسلوب تمويل ميزانية الدولة، وحوكمة المشاريع من خلال فرض شفافية ومساءلة للمشاريع كافة، ونقل التجارب العالمية، مع التركيز على تلافي الأخطاء واتخاذ القرارات الصعبة، وقيام الإعلام التقليدي بدوره الأساسي والوطني في النقد والتقييم والمتابعة.