لا تذهبوا بأفكاركم بعيدا كما هي عادتكم التوجسية. المقصود هنا ليس عرضا للفروقات المعيشية. إنه عرض لحال نصف المجتمع الأنثوي. بالأمس قرأت على الصفحة الأولى في جريدة الحياة: الانتخابات البلدية، إقبال خجول.. والمرأة تحتضر، فقرأتها في العقل الباطن: المرأة تحتضر. المرأة تحتضر بالفعل حاليا أمام المجالس البلدية، لكنني متأكد أنها سوف تحيا وتنتعش وتنتخب عن قريب رغم كل المعوقات والكوابح.
المرأة نصف الوطن، هذا كلام يقوله كل ذي لسان متحذلق في هذه البلاد، يقوله المنزعج لوضع المرأة الحقوقي ويقوله المدافع عن وضعها الحالي الذي يرى فيه الكمال مع زيادة مزعجة تهدد حسب رأيه كيان الأسرة التقليدية. المرأة بوضعها الحالي قنبلة استحقاقات اجتماعية موقوتة سوف تنفجر يوما ما في وجه الجميع، لا شك في ذلك وعلى الجميع تحمل النتائج الذي سوف يفجر القنبلة يوما ما هو السياق العالمي لحقوق الإنسان وقدرته على التأليب وممارسة الضغوط وعلى غرز الأصبع في جروح الدول المتباطئة في التعامل مع حقوق المرأة. أمر آخر سوف يعجل في انفجار قنبلة استحقاقات المرأة هو تنامي القدرات العلمية والمعنوية المذهلة للمرأة السعودية على كل المستويات. أراهن بكل ما أملك أنه لو أجريت مسابقة نزيهة بين عشرة رجال مرشحين لعضوية المجالس البلدية الموعودة وعشر نساء يرفض ترشيحهن، أراهن على أن النساء العشر سوف يدخلن الرجال العشرة خجلا تحت الطاولات. سوف تتغلب المرأة على الرجل بقوة المنطق والحجة وقوة الشكيمة وقوة الترابط العلمي المنهجي لما سوف تقوله عن خططها وبرامجها للمجالس البلدية.
التشريع العلمي الملزم في السعودية ينص على المساواة في الحقوق الوطنية والمصالح العامة مثل التعليم والحق في العمل والراتب والتقاعد، ومن هذه الحقوق والمصالح العامة أيضا حرية التنقل داخل شوارع مدينتها في حدود الأمان المضمون بسلطة الدولة للضعيف والقوي والصغير والكبير والرجل والمرأة.كذلك الحق في الانتخاب في المجالس البلدية وفي عضوية مجلس الشورى ولكرسي الوزارة هي مجرد أجزاء من الاستحقاقات المغيبة للمرأة حتى الآن. لن ينفع التعذر بالخصوصية ومجاملة التيارات الاجتماعية (المتوجسة من المرأة والمتغاضية عن انفلات الرجل) لضمان الهدوء الاجتماعي على حساب المستقبل المفتوح طوعا أو كرها على التعامل مع العالم.
أهم الحجج والأعذار ضد التحقيق الكامل لحقوق المواطنة النسائية هو أن المجتمع لا يتقبل ذلك بعد، وأن المرأة معززة مكرمة بضمانة التشريع الإسلامي الحنيف، وأن الخوف عليها من التيارات المغرضة التي تحاول إفسادها واختراق المجتمع عن طريقها يوجب التوقف عندما قد تحقق للمرأة حتى الآن وغض النظر عن الذي لم يتحقق. يترتب على هذه الأعذار والحجج تساؤلات. ما هي الآلية المطبقة حاليا أو التي يجب سرعة تطبيقهالجعل المجتمع يتقبل تحقيق العدالة الاجتماعية تجاه استحقاقات المرأة كشريك كامل في المواطنة ؟. هل يتم التطبيق الفعلي لما ضمنه التشريع الديني للمرأة في كل شؤون الحياة دون عسف وتدخل من الرجال؟. هل التخوف من اختراق المجتمع عن طريق المرأة حقق شيئا من الحصانة الأخلاقية للمجتمع السعودي يجعله أفضل من المجتمعات الإسلامية الأخرى ؟. المطلوب الإجابة بجد وبدون غرور ولف ودوران على هذه التساؤلات.
على الطرف الآخر .. أهم الحجج للاستعجال في إعطاء المرأة استحقاقاتها الوطنية هو المستوى النوعي لما تؤديه المرأة السعودية للمجتمع. المعلمة والطالبة أكثر التزاما بالمنهج الدراسي والحضور والغياب والابتعاد عن ممارسات المنهج الخفي. لا تذهب معلمة أو طالبة لاستشارة طبية أثناء يوم عمل إلا وتطلب من الطبيب تقريرا مختوما بذلك. المدرس والطالب لا يطلبون ذلك إلا نادرا لأن إداراتهم تتغاضى عن ذلك والزملاء يغطي بعضهم على بعض. المنهج الخفي أصلا بدعة تعليمية ذكورية حتى وإن تسرب القليل منه إلى مراكز تعليم الإناث. المرأة أكثر التزاما بوالديها وبالمسنين من أقاربها، تمرضهم وتحضرهم للمستشفيات والعيادات وتعتني بهم غذائيا ودوائيا، أما الرجل فليس له من دور يذكر في العناية بالمسنين حتى ولوكانا والديه لأنه يترك المهمة لزوجته وبناته. المرأة أفضل نتائج في الامتحانات النهائية في الجامعات والمدارس، والأوائل من البنات في كل سنة أكثر من الأولاد. المرأة أقوى حضورا في المحافل العامة عند إلقاء الخطب والمحاضرات والتصدي للنقاش والمساءلات العلمية.
هل ينكر أحد منكم هذه الفروقات النوعية في مجتمعنا المحلي في ظروفنا الراهنة؟. إذن لماذا تترك المرأة للاحتضار المعنوي أمام مراكز الاقتراع للمجالس البلدية، ولماذا لا تتحرك داخل مدينتها إلا بصحبة السائق الأجنبي الأعزب والأكثر ربما شبابا وحيوية من زوجها إذا كان القصد هو صون كرامتها وعفتها. لماذا ولماذا ولماذا وهل من مجيب؟
لهذا أقول مرة أخرى أن نصف الوطن يستجدي حقوقه في المواطنة.