الكل يحمل هم ومعاناة مستقبل توظيف شبابنا وقد قرأت وناقشت كثيراً هذا الهم مع كثير من الشباب وأصحاب القرار والإعلاميين وبمجالسنا وغالباً ما يكون النقاش منصباً على من تقع مسؤولية التوظيف؟.. هل هي على القطاع الخاص أم على الحكومة؟.. وأرى أننا أسهمنا كثيراً بذلك حتى أصبح إعلامنا يرى أن مستقبل الشباب ينحصر في الوظيفة فقط. بل حتى من نشأ منهم في رخاءٍ وفي أسرةٍ ميسورة الحال يرون أن السبيل الوحيد لكسب العيش هو الوظيفة وليس غيرها!!.
جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه ابنه، فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا له، وقال للرجل: «ألزمه السوق، وجنبه أقرانه» أيّ أبعده عن أقرانه، وكان سفيان الثوري رحمه الله يمر ببعض العابدين وهم جلوس في المسجد الحرام، فيقول: «ما يجلسكم؟» فنقول: فما نصنع؟ قال: «اطلبوا من فضل الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين».
لقد تجولت في غالب دول العالم ولم أر أفضل من بلدنا هذا مكاناً خصباً لتكوين الثروات خصوصاً لمن يبدأ من الصفر.. وفي ظل الطفرة المقبلة لابد أن نخرج بمستثمرين شباب يحصدون جزء من الأموال التي ستضخ في الأسواق، للخروج من دائرة الوظيفة الضيقة إلى أفق الاستثمار الرحب. لن ننجح بذلك إلا بالعمل المتكاتف والدؤوب بين القطاع الحكومي والخاص لتوفير مجموعةٍ من الحلول منها:
أولاً: التكاتف الإعلامي لإظهار الناجحين بالاستثمار للشباب المبتدئين وكذلك تسليط الضوء على معوقات استثمار الشباب في كافة القطاعات والتركيز على ذلك في الطرح الإعلامي عند تناول ومناقشة مسائل التوظيف والبطالة.
ثانياً: على مكتب العمل تخصيص برنامج لشباب الأعمال يتبنى معاملة الشباب المقبلين على الاستثمار معاملة خاصة، ويدعمهم بتوفير الدعم والتسهيلات الإدارية وتوفير نظامٍ أكثر مرونة في الاستقدام ونسب السعودة والاشتراطات الأخرى.
ثالثاً: على الشركات الكبرى أن تتبنى قيام المشاريع الصغيرة بشكل دعم أو قروض أو توفير برامج شراكة إستراتيجية تبنى على قواعد وأسس مدروسة لضمان النجاح بإذن الله.
رابعاً: تفعيل دور بنك التسليف وتسريع آلية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
خامساً: إنشاء صندوق كفالة سيادي مستقل بميزانيةٍ مناسبةٍ لتلعب دور الضامن لدى البنوك للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة مما سيكون له الأثر الفاعل في تحفيز البنوك على الإقراض.
سادساً: تفعيل ترويج المشاريع الصغيرة لراغبي الاستثمار من الشباب من خلال إقامة دورات تدريبية بالغرفة التجارية وبعض الشركات الكبرى كما يمكن أن تقوم الشركات الكبرى بتقديم مشاريع يكون هدفها الأساسي توفير البيئة الاستثمارية للشباب.
أعلم يقيناً أن هناك من الدوائر الحكومية والشركات وأجنحة الدولة الاستثمارية من لا تزال تعمل على توفير تلك الحلول ولكن ما ذكرته هو من باب التحفيز للإسراع بتوفير تلك المنتجاتٍ وأكثر وبزمنٍ مناسب حتى لا تفوت الفرصة على شبابنا ويحصدها غيرهم.
وفي رأيي المتواضع، أن سبل الرزق لا تنحصر على الوظائف مهما بلغت، بل إن العصامية والمتاجرة والاعتماد على الذات «تسعة أعشار الرزق» كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبالتوكل على الله أولاً ثم بطرق أبواب الرزق مع النيّة الصالحة والدعاء، وبالالتزام وتطهير المال بالصدقة والزكاة تتضاعف الثروة ويفتح الله بركاته على عباده الصادقين.