لم يكن انتقاد العلامة الشيعي، ومفتي الجنوب اللبناني - سابقا - السيد علي الأمين للمرجع الشيعي السيستاني في النجف العراقية نقدا لذاته، أو تجريحا لشخصه، بل كان بسبب تناقضه في مواقفه تجاه الأحداث على الساحة، وحول المظاهرات التي حصلت في بعض دول المنطقة. ومن ذلك: إصداره فتوى تحرّم المظاهرات في بغداد، والعراق، ولكنه - في نفس الوقت - أيد المظاهرات في مملكة البحرين، وساندها، - إضافة - إلى أنه لم يقف مع شيعة إيران في مظاهراتهم.
ففي حديثه - لصحيفتي - المدينة والحياة، يوم السبت الموافق: 19-5-1432 هـ، قال السيد الأمين: « إن السيستاني لم يقم بدوره كمرجعية في المنطقة العربية. ولم يقل شيئاً تجاه سفك الدماء في لبنان، وبيروت، على يد بعض الشيعة. وله مواقف كثيرة غير إيجابية، ومنها: أنه لم يحرم القتال بين المسلمين في أكثر من مرة، ولزم الصمت - سواء - أثناء الحرب العراقية، أو حين الفتنة في لبنان، وغيرها. وكنا فقط نريد منه، أن يصدر فتوى بتحريم أن يقاتل المسلم المسلم، - سواء - سنيا، أو شيعيا، ولكن - للأسف - أنه لم يفعل، وظل يتفرج فقط على ما يحدث في العراق، والبحرين، ولبنان، وغيرها. ولكن - للأسف - أنه شجع ما حصل في البحرين، ويصمت كثيراً في غيرها «.
كثيرا ما تساءل العقلاء في خضم التجاذبات السياسية، والإرباك الحاصل في المنطقة، عن صمت غير مبرر للمرجع الشيعي السيستاني في النجف، حول ما يجري على الأراضي العراقية، وبأيدي قوات الاحتلال، فلم نرمنه فتوى في هذا السياق، تُحرم قتل المسلمين، واستباحة أعراضهم، ومقدساتهم، وممتلكاتهم. بالرغم من أنه يُمثل المرجعية الأولى للطائفة الشيعية، ويأتي في الخط الأول المتقدم؛ لاستشراف الأفق، وإعادة الأمور إلى نصابها، والعمل على حفظ دماء المسلمين، والدفاع عن كرامتهم، وعدم تعريض المصلحة العامة للخطر. بل يعـتبر مــرجـعية دينية كبيرة، لها ثـقلها في المـعادلة الديـنـية، والسياسية، والاجتماعية، وتُــشـكل القاعدة الفقهية، والأخلاقية، والفكرية أن تعمل قدر الإمكان؛ من أجل الدفاع عن الشعوب الإسلامية، إن في العراق، أو في لبنان، أو في غيرهما من مناطق العالم.
ولأن السيد السيستاني يُمثل المرجعية القيادية التي تلجأ إليها القوى الإقليمية، والدولية. وتعدى دوره؛ ليصبح الفيصل بين الجماعات الشيعية المتنازعة، وذلك - من خلال - ما يتبوؤه من موقعه - الديني والسياسي -. وهو الذي يملك إرثا فقهيا وروحيا، وتراكما سياسيا وفكريا، فإنا كنا نأمل أن يكون واضحا في استيعابه؛ لزخم ما يحدث على الساحة، والاستجابة لمتطلباتها، وأهدافها. وعدم التراجع عن الموقف الذي يستدعيه واقع الحال. وأن يحرم على سبيل المثال: القتال بين المسلمين في أكثر من مرة. وألا يُشجع ما حصل في البحرين، ويصمت عما يحصل في العراق من احتلال، أو يصمت عن تأييد إيران للمظاهرات في البحرين، بخلاف المظاهرات في العراق، وهذا - بلا شك - تناقض غريب، في ظل ظروف وتحديات أمنية، وسياسية، واجتماعية، غاية في الخطورة.
كان حديث - العلامة الشيعي اللبناني - السيد علي الأمين حديث علم، وأدب، وثقافة. مارس حقه في الحوار، وطرح إشكالات عديدة، وخطيرة مع مرجعية شيعية لها ثقلها، دون أن ينتقص منه، أو يعتدي عليه، أو يجرح به. فالتجربة الإنسانية تحتاج إلى إعمال العقل، وإلى تقييم؛ لبيان الحق الملتبس، وإصلاح الخطأ، وتقويم الاعوجاج، وترتيب المشهد.