في جزيرة فرسان
بعد ليلة ممتعة في قرية جازان التراثية عدنا إلى مكان إقامتنا، ونحن على موعد مع الاستيقاظ مبكراً، أيّ علينا جميعاً أن نصحو قبل الخامسة صباحاً؛ فنحن على موعد ركوب العبارة إلى فرسان في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً. وكان من أجمل مافي هذه الرحلة دقة المواعيد، والانضباط في التقيد بالوقت. من ميناء جازان الذي كانت ترسو في إحدى أركانه العبارة التي تنقل المسافرين إلى فرسان ولها موعد واحد هذه الرحلة الصباحية، ومثلها ناقلة أخرى تنطلق من فرسان في نفس الوقت، أيّ الصباح الباكر إلى جازان. ما لفت انتباهي هو جمال ميناء جازان ونظافة أرضيته، وكذلك القاعة المعدة لانتظار المسافرين؛ كما لفت انتباهي حجم العبارة وجودتها، ونظافة مقاعدها؛ وفي العبارة طابق يتسع لسيارات الراغبين في أخذ سياراتهم معهم فإنه على ما يبدو ليس في جزيرة فرسان سيارات أجرة، أو وسائل نقل عامة، مثل ما هو الحال في كثير من المدن السعودية المتوسطات الحجم التي تفتقد إلى هذه الخدمة أيضاً من الميناء إلى داخل مدينة فرسان، أو الوصول إلى بقية أنحاء الجزيرة، وهي جزيرة واسعة تزيد في مساحتها عن مساحة مملكة البحرين.
السفينة -كما ذكرت- نظيفة، ومقاعدها مريحة، وواسعة وجوها صحي، وأعتقد أن المسؤولين عن تشغيلها يمنعون التدخين وهو أساس المشكلة، خاصة في الأماكن المغلقة. مما سمعته من بعض المسافرين أن ما يضايق البعض هو الفصل القسري بين الرجال والنساء، كون بعض الأسر يرغبون في البقاء بعضهم مع بعض، يتحدثون ويفرحون بالرحلة البحرية. فبعضهم ربما تعد هذه هي الرحلة البحرية الأولى في حياته. صحيح أن الرحلة لا تزيد عن الساعة إلا قليلاً، ولكن ما أحوجنا إلى جمع شمل الأسرة إن كان عددهم يزيد عن الأب والأم، وما أحوج العرسان الجدد أن يظلوا إلى جانب بعضهم بعضاً؛ وقد يكون بعض زوار جزيرة فرسان الجميلة هم من العرسان الجدد الذين خصصوا أياماً من شهر العسل لقضائها في هذه الجزيرة الهادئة والرومانسية. حدثنا مؤرخ وحكيم فرسان إبراهيم مفتاح عن معاناة المسافرين السابقة إلى فرسان في الأزمان الغابرة وهي ليست ببعيدة إلى سوء النقل البحري قبل العبارات. في هذه العبارة توجد جلسة خاصة لكبار الشخصيات الـ VIP أخذنا الإخوة المنظمون إليها، مع أن رغبتي الشخصية هي أن أجلس حيث يجلس الجميع، وكان لي رأي منذ فترة طويلة وعبرت عنه حينما كنت عضواً في مجلس الشورى بأن نمتنع -نحن المتمتعين بهذه الميزة - أحياناً عن العبور من خلال المكاتب التنفيذية، والذهاب من خلال المعابر التي يعبر من خلالها كل الناس، حتى نطلع على كيفية تسيير الأمور في مكاتب الخطوط، ومكاتب الأمن، ومكاتب الجوازات، وكيفية ساحات استلام العفش، وكذلك مكاتب مراقبة الجمارك لكي نساهم جميعاً في تسهيل الأمور للجميع.
استغرقت الرحلة البحرية الممتعة في أجواء صافية والموج مساعد حوالي الساعة؛ وكنت في غاية السعادة عندما تراءت لي أرض جزيرة فرسان، فقد كانت هذه هي أول زيارة لي إليها، مع أنني منذ الصغر وأنا أسمع عن هذه الجزيرة التي كانت منفى لمن كان يعتقد بأنهم قاموا بمخالفات شرعية، ما جعل فرسان تعلق في ذاكرتي بأن أحد الأشخاص الذين كانوا يمتلكون مكتبة بها بعض المخطوطات القديمة -وهو من القلة الذين يمتلكون مكتبات حينذاك- اتهم من قبل السلطات الدينية بأنه يقوم بعمل الشعوذة. والرجل كما يعرفه مجتمعه برئ، ولكنه كان يملك المعرفة في الطب الشعبي، وقراءة القرآن، ويلجأ الناس إليه لمساعدتهم على ما يعتور صحتهم برقية شرعية لا دجل فيها ولا شعوذة؛ كما كان يعالج دوابهم حينما لم يكن هناك في منطقتنا إلا مستوصف واحد في مدينة أبها؛ فحكم على مكتبته بالإحراق في السوق ونفيه إلى جزيرة فرسان. عملية إحراق الكتب شاهدتها بعيني حينما كنت في السنة الأولى أو الثانية الابتدائية؛ أما النفي فلا أدري هل تم أم لا. إلا أن اسم فرسان كان يتداول على ألسنة الناس أثناء هذه الحادثة، وأن فلاناً سينفى إلى هناك. وقد حدثنا مؤرخ فرسان وأديبها وشاعرها إبراهيم مفتاح خلال هذه الرحلة عن جانب من حكايات المنفيين أثناء ماكان مرشدنا -وهو نعم المرشد- لمن أراد أن يعرف كل شيء عن فرسان مع أنه تحدث عن هذا الموضوع بشكل مقتضب، وضحكنا كثيراً على قصة إعادة بعض المنفيين بعد شهور من النفي والضحك كان على الاستنتاج بسبب الإفراج عنهم.
من ميناء فرسان أخذنا طريقنا في عدد من السيارات التي كانت معنا في العبارة إلى مكان إقامتنا في فندق كورال فرسان الذي يبعد عن الميناء حوالي 6كم بعد تناول الفطور في هذا الفندق الوحيد في هذه الجزيرة السياحية الواسعة الأرجاء، وموقعه جميل على شاطئ هادئ ونظيف أقامه مستثمر وطني منذ سنوات.
بعد الفطور ذهبنا في زيارة إلى المكان الذي كان يذهب إليه سكان فرسان في الماضي في كل صيف في مسيرة احتفالية على ظهور الجمال، ومنهم من يمشي على الأقدام، الجميع الرجال والنساء والأطفال يمكثون في هذا المكان المسمى القصار أياماً قد تزيد عن الشهر. في هذا المكان غابات من النخيل، ويتعاون الجميع في جني التمور، والملاك يمنحون من لا يملك ما يجعله يحس بالمشاركة. في هذه القرية السياحية التي كان يرتادها سكان فرسان سنوياً بيوت هذه القرية مبنية من الأحجار البحرية منها الكبير، ومنها الصغير وهي مسقوفة بجذوع النخل، وبها عدد من المساجد والساحات وبقايا الدكاكين. وللبيوت في فرسان صفة هندسية جميلة تراعى فيها خصوصية الأسر؛ وكثير من هذه البيوت يُعاد ترميمها الآن والعمل جار أثناء وجودنا من قبل الهيئة العليا للسياحة والآثار لتصبح قرية سياحية يرتادها السواح، ويمكن استئجار البيوت المرممة بديلاً عن الفنادق، وهذه فكرة رائدة وجميلة. اطلعنا على دكان والد الأستاذ إبراهيم مفتاح، كما اطلعنا على المسجد ذي المنبرين الذي يخضع للترميم مثله مثل بقية بيوت هذا المنتجع الفرساني القديم. من القصار توجهنا إلى قلب مدينة فرسان حيث ذهبنا لزيارة بيت الرفاعي تاجر اللؤلؤ الشهير الذي كان حتى عام 1341هـ واحداً من أبرز تجار اللؤلؤ في هذا الركن الجنوبي من البحر الأحمر، وبيته يدل على ضخامة تجارته، وذوقه في بناء منزله. فقد جلب عمالاً مهرة لإقامة منزل يجمع بين تراث ثقافات قارات مختلفة من العالم الإسلامي وغيره، تتجسد في عمارة هذا المنزل الفاخر، ويحيط به بعض المنازل التي تحمل سمات بيت الرفاعي ويدل هذا على ازدهار التجارة في هذه الجزيرة إلى عهد قريب.
ومن تجارة اللؤلؤ كادت جزيرة فرسان تكون أول منطقة في الجزيرة العربية يكتشف فيها البترول حيث تنافست قوى أوروبية على الحصول على امتياز التنقيب عن النفط في هذه الجزيرة خاصة ألمانيا وبريطانيا؛ وقد كسبت الأخيرة الرهان بسبب تحالفها مع الإدريسي حينما كان حاكماً لمنطقة جازان وهزيمة ألمانيا وحليفتها تركيا التي لم يبق لها مما يشهد على نفوذها على هذه الجزيرة سوى قلعة في رأس قمة تشرف على معظم أنحاء الجزيرة. والاختلاف قائماً حتى الآن بين المؤرخين حول تاريخ بناء هذه القلعة وتشكر الهيئة العليا للسياحة والآثار على ترميم هذه القلعة لتبقى أثراً على تاريخ مرحلة. وعلمت أن هناك قلعة ألمانية في مكان آخر من الجزيرة لم نتمكن من زيارتها؛ لذلك آمل أن يكون هناك تعاون ثقافي ألماني - سعودي على إعادة ترميم هذه القلعة. من بيت الرفاعي قمنا بزيارة لبيت الأخ المؤرخ الشاعر إبراهيم مفتاح الذي حول بيته إلى شبه متحف لجزيرة فرسان، التي هي بحاجة إلى إقامة متحف متكامل خاص بها، واطلعنا على قطع أثرية تعود إلى عصور مختلفة يعود بعضها إلى العصر الروماني وعليها نقوش رومانية، مايدل على أن هذه الجزيرة كانت منطقة عبور لثقافات مختلفة. استضافنا الشاعر إبراهيم مفتاح وأولاده النجباء في مكتبته العامرة، واكتشفت أن أبناءه شعراء يفوقون مهارة والدهم في قرض الشعر، وهم وإن كانوا أصحاب اختصاصات علمية لاعلاقة لها بالأدب. فإن الشعر يجري في دمائهم بالوراثة كما يبدو. وقد علمت من الأخ إبراهيم مفتاح أن أباه كان شاعراً وفي أمسية جميلة دعانا إليها محافظ فرسان وأهالي فرسان شاركنا فيها الدكتور عبدالرحمن بن عمر المدخلي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة جازان وألقى كلمة رائعة تعد قطعة شعرية بمناسبة مشاركته في هذه الأمسية التي اكتشفنا فيها أن في جزيرة فرسان كثيرين من فرسان الشعر والكلمة.
من بيت الأخ إبراهيم مفتاح قمنا بزيارة لبيت الأستاذ زيلعي محمد الزيلعي، وهو أحد أبناء جزيرة فرسان النجباء الذي بذل جهده وماله في تحويل بيته إلى شبه متحف بحري، جمع فيه كل ما تحتوي عليه مياه جزر فرسان من قواقع بحرية غاية في الجمال حولها بمهارته -يشاركه في ذلك أبناء أسرته- إلى تحف نادرة الوجود.
من بيت الزيلعي توجهنا إلى مسجد النجدي أحد معالم جزيرة فرسان الذي بني على طراز معماري ترى فيه الطراز النجدي والعثماني أعيد ترميمه بشكل جيد، تقام فيه الصلوات الخمس، وبه كل المرافق مثل مرافق الوضوء وغير ذلك.
عدنا بعد هذه الرحلة المكثفة من الاطلاع على بعض ما تحتوي عليه جزيرة فرسان من معالم إلى مكان إقامتنا، حيث كان شيخ مشائخ فرسان وأعيان الجزيرة قد أعدّوا لنا وليمة غداء فاخر، وكنا سعداء بلقائهم والتحدث إليهم.
في المساء كان لنا موعد مع محافظ جزيرة فرسان في الجزء الشمالي من الجزيرة، وعلى ساحل بكر لم تعبث به يد إنسان بعد؛ وأرجو أن يظل كذلك. هناك على شاطئ ذلك الساحل الجميل رأينا لحظات الغروب في منظر رائع لا يستطيع المرء أن يصفه، وغربت الشمس، وأرخى الليل سدوله. وعلى الساحل كانت توجد قوارب صغيرة في انتظارنا لأخذنا في رحلة بحرية هادئة وجميلة ترى زرقة مياه البحر وتلألؤ النجوم في سماء صافية؛ ياله من منظر رائع لا يستطيع وصفه غير الشعراء. كان بحار قاربنا رجلاً يبلغ من العمر حوالي الثمانين، مفتول الساعدين عريض المنكبين، ذكرني ببطل رواية العجوز والبحر لإرنست همينغواي حدثنا عن عمله في البحر منذ أن كان طفلاً وإلى الآن قائلاً: إنه زار في رحلاته البحرية كثيراً من الموانئ على البحر الأحمر مثل جازان والموسم والقحمة والقنفذة وغيرها. بعد رحلة بحرية في صحبة ذلك الرجل الرائع استغرقت أكثر من ساعة رافقني في هذه الرحلة الجميلة الزميل الدكتور حمزة المزيني الذي ظهر لنا أنه يخشى البحر بحكم تكوينه الصحراوي وخلفيته الثقافية البدوية إلا أنه أثبت أنه لم يكن آبهاً بمخاطرة الرحلة البحرية وغير آبه بممازحتنا له. من البحر إلى ليلة ساحلية ماتعة في صحبة علية القوم من أهالي فرسان ومبدعيها من الشعراء. وبدعوة كريمة من محافظ جزيرة فرسان المهندس عبدالرحمن عبدالحق، وبصحبة رجل رائع في علمه وخلقه ونبله وورعه وهو الشيخ الدكتور عبدالرحمن عمر المدخلي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة جازان، والذي كان لنا شرف التعرف عليه في مجلس سمو الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز كان خلوقاً بشوشاً مثقفاً يتحدث وبكل أدب في كل المواضيع. كم تمنيت وأنا أنظر إليه والتحدث إليه أن نرى المسؤولين عن هذا المرفق المهم وصاحب الرسالة الجميلة جميعهم على غرار الدكتور المدخلي.
في هذه الأمسية الجميلة تبارى شعراء جزيرة فرسان في إلقاء قصائدهم وإبداعاتهم، حتى خيل إلى أن هذه الجزيرة هي جزيرة الشعراء كما أسعدنا كثير من البحارة القدامى بأغانيهم البحرية التي كانوا يتغنون بها أثناء أسفارهم البحرية.
كما أمتعتنا الفرق الشعبية الفرسانية بعروض فنية غاية في الروعة والتنوع في أنواع الرقصات والألحان. شاركناهم عرضاتهم ورقصاتهم؛ وما كنا نتمنى أن تنتهي تلك الليلة الجميلة، لولا أن لدينا رحلة العودة إلى جازان في الصباح الباكر.
ماكنا نتمنى أن تنتهي هذه الرحلة الفرسانية الجميلة حيث لم نتمكن من زيارة كل معالم جزيرة فرسان الكبرى دعك من أن نتمكن من زيارة أكثر من 200 جزيرة هي مجموع جزر فرسان إلا أنه لابد لكل رحلة مبرمجة من نهاية.
في تمام الساعة الثامنة صباحاً من يوم الجمعة 12-4-1432هـ كنا على ظهر العبارة في رحلة العودة إلى جازان. في هذه العبارة لا يوجد صالون خاص بالـ VIP، فحمدت الله على ذلك. أخذنا مقاعدنا الوثيرة في قاعة المسافرين حيث تمكنا من التعرف على كثير من المسافرين منهم من جاء للسلام والحديث وطلب أخذ الصور التذكارية، ووجدت أن كثيرين منهم من مناطق مختلفة من المملكة جاؤوا لقضاء إجازة الأسبوع في جازان وفي جزيرة فرسان بالذات.
وعلمت من الإخوة في جازان بأن في مدينة جازان 17 فندقاً مسجلاً بدرجات متفاوتة، ومن لم يقم بالحجز مبكراً فلن يجد له غرفة، طبعاً ذلك عدا الشقق المفروشة في جازان المدينة وفي مدن المحافظات المحيطة بها.
ماذا يدل عليه هذا يدل على أن هناك وعياً سياحياً ورغبة لدى المواطنين، خاصة في المناطق القريبة من جازان بقضاء أيام ممتعة على سواحل جازان وجزرها الجميلة، لاسيما والأجواء في جازان خلال هذه الفترة معتدلة جداً.
من ميناء جازان ذهبنا لزيارة محافظة أبو عريش عاصمة جازان الأولى ومقر الحكم والإدارة فيها، مدينة التاريخ والعلم والعلماء، مدينة القلاع التاريخية والمساجد التاريخية العامرة. هناك كنا على موعد مع واحد من أنبل رجالات جازان وأحد أبنائها المخلصين السيد أحمد الجبلي رائد زراعة فاكهة المانجو في جازان حيث ثبت أن هذه المنطقة الخصبة قابلة لزراعة كثير من المنتجات الزراعية، وثبت حقاً بأنها سلة خبز المملكة العربية السعودية، كما أقرت بذلك تقارير منظمة الزراعة والأغذية الدولية منذ مطلع الخمسينات الميلادية. إلا أن هذه التقارير لم تؤخذ بالجدية من قبل القائمين على رسم السياسة الزراعية في المملكة، ولعل بعد فشل التجارب التي مررنا بها خلال الفترات السابقة تجعلنا نعود إلى ماكانت المنظمات الدولية قد نبهتنا إليه. فجازان يمكن أن تكون سلة فاكهة وخضار المملكة، وكذلك سلة منتجات الحبوب، خاصة الذرة التي تنتج إنتاجاً وفيراً من ثلاث حصدات من بذرة واحدة جداً في هذه المنطقة.
أما فاكهة المانجو التي أصبحت واحدة من مستلزمات السفرة السعودية الآن ونستوردها من الهند وباكستان والسودان ومصر تدرون لماذا من هذه البلدان وليس من جازان؟ السبب هو أن زامر الحي لا يطرب، وسهولة نقل هذه الفاكهة من تلك البلدان من وراء الحدود أسهل من نقل ما ينتج منها في جازان وهذه الشكوى المرة لمزارعي المانجو في جازان وعلى رأسهم السيد أحمد الجبلي ليست فقط تجاه هذه الفاكهة اللذيذة ولكن غيرها من المنتجات الزراعية التي تفتقر إلى النقل والتصريف والوصول إلى كل الأسواق السعودية بدلاً أن يرمى بها في نهاية اليوم أو الموسم. نحتاج إلى مزيد من النقل الجوي، وإحداث خطوط للنقل البحري إلى مدن الحجاز الكبرى، والشروع في بناء طرق سكة الحديد، بالإضافة إلى إقامة صناعة للمنتجات الزراعية في جازان أولاً والمدن الأخرى خارج منطقة جازان.
السيد الجبلي رجل وطني صاحب مبادرات. فبالإضافة إلى مزرعته الجميلة لفاكهة المانجو حول جانباً كبيراً منها إلى منتجع سياحي رائع يدخل ضمن المنتجعات السياحية الريفية، وهي خطة تتبناها الهيئة العليا للسياحة والآثار حيث قام السيد الجبلي بإقامة العشرات من الوحدات السكنية داخل المزرعة تضم كل ملتزمات السائح مع عائلته. بنيت تلك الوحدات وسط الأشجار بطريقة رائعة تجعل السائح يعيش أياماً ممتعة في جو ريفي نقي، وبه جميع المستلزمات من ممرات للمشي، منها ممرات صحية للمشي بالأقدام العارية من الأحذية وحدائق للنزهة، وبرك للسباحة، وأماكن للشوي.
تناولنا الفطور في هذه القرية السياحية الريفية الجميلة، وشاهدنا ضمن هذه القرية أكبر عشة جازانية تبنى حتى الآن في جازان، وستكون هذه العشة الجازانية التراثية مركز القرية السياحية. وبمناسبة ذكر ذلك الفطور الفاخر والشهي، والأريحية والكرم الحاتمي الذي غمرنا به السيد الجبلي كانت كل مكوناته من منتجات هذه المزرعة المثالية من العسل الطبيعي، والخبز الجازاني من إنتاج المزرعة وكثير من الأنواع التي عمرت بها تلك السفرة. وقلنا للسيد الجبلي سجلنا في عداد زوار هذه القرية من الآن إنها حقاً جديرة بالزيارة والحجز فيها لمن يبحث عن الراحة في مكان مريح.
تحت أشجار المانجو الباسقة التي يصل علو بعضها إلى أكثر من عشرين متراً وتنتج الشجرة الواحدة من هذه الأشجار الكبيرة أكثر من 2000 ثمرة من النوع الفاخر ذات المذاق اللذيذ. لأنها تسمد بالسماد الطبيعي وليس بأي مركب كيماوي آخر كانت لنا جلسة ممتعة تحت ظلال الأشجار، شاركنا في الحديث إلى جانب مضيفنا السيد الجبلي السيد محمود بن علي الأقصم نائب رئيس مجلس إدارة غرفة جازان التجارية والصناعية، وكان الحديث في معظمه منصباً على الزراعة ومستقبلها، ومستقبل الاستثمار فيها في منطقة جازان حيث تتوفر كل المقومات لتنمية زراعية ناجحة.
ودعنا السيد الجبلي ونحن على موعد بزيارة القرية السياحية كسواح وليس كضيوف، وحمّلنا هدايا قيمة من فاكهة المانجو كانت ضمن الهدايا القيمة التي حملناها من جازان، جازان الخير والعطاء والنماء، والإنسان المتحضر. عدنا إلى النزل لأخذ أمتعتنا، وذهبنا إلى مطار جازان معلنين إنهاء واحدة من أجمل الرحلات في ربوع بلادي. إلى اللقاء جازان.