روضة من رياض اليمامة وقد ورد لها ذكر في الشعر والتاريخ تقع شرق الرياض يحدها غرباً نفود المعيزيلة وجنوباً السلي، وتأتيهـــا السيول من عدة أودية وتملأ رياضها إلى مــا يقرب من الخرج، وتعتبر هذه الروضة من متنزهات الرياض ولكم قمنا في عام 1357هـ ونحن طلاب في كلية اللغة العربية برحلات إلى هذه الروضة وقد انطبعت صورها في الذهن فكانت روضة خضراء في أيام الربيع وكنت أردد قائلاً:
الأرض قد كسبت رداء أخضرا
والظل ينثر في رباها جواهرا
وكانت هذه المنطقة وما حولها برياضها الفيح وسهولها المترامية الأطراف وخمائلها في ذلك الزمن حدائق غلبا خصبة منعشة، واليوم صار اسم الجنادرية رمزاً نحو الآفاق الثقافية إذ الجنادرية تجارب الماضي وآفاق المستقبل تمزج بين عبق المجد والتراث وتجسد الأصالة وتعمق الثقافة وتؤصل معاني الإخاء وتعزيز الانتماء لهذا الوطن وتعميق الإحساس به ولا غرو فلهذه البلاد تاريخ مشرق الصفحات وضاء المعالم يحفل بالماضي العريق الحاضر الزاهر ولكل أمة من الأمم تراث تعتز به هو تعبير عن تجربة معاشة ورؤية معينة وموقف من مواقف الحياة.. والتراث يجسد أنماطا شتى من العادات والتقاليد والأخلاق والأفكار والتاريخ ويعطي صورة عن الواقع التاريخي والفكري والاجتماعي لكل أمة.
والتراث عنصر مهم من عناصر الأدب له مكانته الفكرية في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، والتراث كنوز وذخائر زاخرة بألوان من المعارف والتاريخ ومهرجان الجنادرية وجه الثقافة وصورة للتراث ومحور لهذا النشاط التراثي والفكر الأصيل حقق نجاحاً كبيراً في إعطاء فكرة متميزة عن منجزنا الحضاري وتصحيح بعض الأفكار الخاطئة عن نهضتنا وتطورنا كما تهتم الجنادرية بالثقافة العربية والتواصل العربي والإسلامي والعالمي حيث دعي للمهرجان أعلام من العالم العربي والإسلامي والعالم وإيجاد الحيوية والتجديد في النشاط الثقافي والمحاضرات والندوات مما له فائدة وأثر في الساحة الأدبية السعودية ولقد أتيح لي اللقاء بعدد من المفكرين والأدباء في خارج المملكة فسمعت منهم ما يسر ويبهج عن تطورنا الفكري والأدبي، وإلى جانب ذلك نرى الاهتمام بعرض الصناعات والحرف وإحياء أمجاد ماضية حافلة. كما تمثل جوانب من نهضة بلادنا وتطورها ورقيها ونهضتها الحضارية ومنجزنا التنموي ونهضتنا الثقافية والاجتماعية والعلمية في مختلف المجالات، كما أن القرية الشعبية تحكي الماضي بمختلف صوره وأشكاله وليتعرف الأحفاد على ماضي الأجداد بكافة ضروبها وألوانها، ففي هذه القرية بكاملها امتزج الماضي بالحاضر والجديد بالقديم حيث يتجسد ذلك مبرزاً حياة أسلافنا وسيرهم ومعاناتهم الصعبة ومثابرتهم وأصالتهم وما كانوا يمارسونه من حرف وأعمال فيها مشقة وعناء وما قاسوه من شظف العيش والعمل الشاق الذي أكسبهم القوة والصلابة والصحة وكانوا مثالاً في عزة النفس والإباء والكرم والأخلاق والمحافظة على المثل والدين والمروءة ومكارم الأخلاق ولا شك أن الندوات والمحاضرات والأنشطة الفنية ومعارض الوثائق والكتاب وسباق الفروسية وندوات الأدب والشعر الفصيح والشعبي إلى غير ذلك من الفعاليات وهناك الكثير والمتجدد مما نراه في كل عام، لقد أصبحت الجنادرية رمزاً فكريا وصورة للتراث وعنواناً تاريخياً ونافذة وحدثاً وصوتاً ثقافياً يطل المرء منها على التاريخ والفكر والتراث ولقد قيل:
وإذا لم تدر ما قوم مضوا
فاسأل الآثار واستنب الديارا
فهو يحتل انعكاساً لواقع المملكة ورسوخ جذورها وآصالة ماضيها العريق.
ولقد أصبح لهذا المهرجان أبعاد دولية وامتداد واسع فهو شاهد على التواصل الثقافي وتعزيز الجوانب الفكرية انطلاقاً من تقدير الدور الثقافي وأهميته والأمل كبير في مزيد من التوثيق والبحث والدراسة للموروث الشعبي والآثار وإخراجها في سلسلة من الكتب حيث إن ذلك عنصر حيوي وجانب مهم خاصة وأن الجنادرية أصبحت منبراً وصوتاً ثقافياً ومنتدى مرموقاً.
* أمين عام دارة الملك عبدالعزيز السابق