ومضة:
يقول ابن المعتز:
اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
ويقول الإمام الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً
كعود زاده الإحراق طيباً
لا أعلم ما الذي دهاني في ذلك اليوم، عندما أصبحت كالمارد المنفلت من شدة الغضب، كعاصفة هوجاء، لم أبق ولم أذر، صرخت في وجوههن ونهرتهن، فقد بلغ السيل الزبا، وما عدت أحتمل صفاقتهن.. أتعلمون من هن؟
إنهن شلة من الموظفات يعتشن على النميمة والحسد والثرثرة والتقليل من شأن الآخرين، فما إن تأتي على ذكر فتاة جميلة أمامهن حتى يبتسمن ابتسامة ذات مغزى، دلالة على سوء أخلاقها رغم جمالها. وما إن تُمدح فلانة في حضرتهن إلاّ ويبادرن بالقول إنها لا تستحق هذا المدح، وإنما حصلت عليه بالنفاق والمراءاة، ويسعين جاهدات لتحطيم نجاحها. وما إن تُذكر محاسن لأخرى إلا ويبحثن عن مكامن ضعفها وإبرازها بقوة تحجب معها كل جميل.
يومها انفلت لساني، فبرغم تجنّبي لهن، ومحاولاتي الكثيرة الابتعاد عنهن، إلاّ أنّ بيئة العمل لا تسمح بإطالة فترة التجنُّب، وكثرة كلامهن كانت عصية على هدوئي ففقدته، وقلت كلاماً كثيراً، قلت لهن: ما سرّكن أيتها النسوة! وما بالكن لا تتركن أحداً من شرّكن ! اعلمن أنّ كل ما يقوله المرء إنما يُعبر عما فيه قبل أن يُعبر عما في سواه، سواءً كان قولاً جميلاً أم قبيحاً! انتن ضعيفات النفوس لا شك في ذلك، لأنّ غنى النفس يجعل صاحبه في مقام نبيل وسام.. نعم أنتن ضعيفات ترتاح نفوسكن عند رؤية أي تمثال جميل مكسور متناثر الأحجار!
وكلامكن الفارغ ما هو إلاّ مجاهرةً بعجزكن عن الإتيان بأي فعل يضاهي أفعال من تغتابونهن فالغيبة جهد العاجز!
ألا تخفن من أن تقوم إحداكن بذم من تشاركها الغيبة في يوم من الأيام، وهذا واردٌ جداً ! أعلم جيداً أنكن تخفن، ولكن لا تعترفن!
أدليت بدلوي وغادرتهن، والغريب أنني تنهّدت براحة لم أشعر بها من قبل... وفي اليوم التالي، علّقت لوحة كبيرة مكتوب عليها: الله عز وجل يقول: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً }.. «لا» في الآية الكريمة ناهية، جازمة، وحاسمة.
أخبرت والدي بما حدث، فأطرق برأسه طويلاً ثم قال: إيه يا ابنتي، أو تظنين أنّ الرجال أفضلاً حالاً من النساء..
الرياض