لأسباب مرتبطة بعمليات غسل أموال، وتجارة المخدرات تم بيع البنك اللبناني الكندي قسرا، وإخراجه من السوق المصرفية اللبنانية في شهر «فبراير» الماضي؛ خروج أحد البنوك يُعتبر إدانة للقطاع المصرفي الحاضن، وفي الغالب لا تكتفي الهيئات الدولية، ووزارة الخزانة الأميركية؛ التي تتقمص دور الشرطي الدولي المتخصص في الجرائم المالية؛ بتصفية البنك المُدان، بل تمارس دورها الإستغلالي في تحقيق مكاسب إضافية، مُضرة بالدولة، وقطاعها المصرفي المستهدف. فإدانة أحد المصارف يعني بالتبعية توجيه التهمة إلى القطاع، حيث العلاقات المصرفية الدائمة، والتبادلات المالية التي قطعا لن تخلو من قيود مالية مرتبطة بالبنك المتهم. جهل المؤسسات المالية الشقيقة بطبيعة التبادلات المالية المنفذة مع البنك المتهم، الخاضع لمظلة البنك المركزي، لن يُعفيها من تحمل بعض المسؤولية، ودخولها في تحقيقات موسعة للتأكد من سلامة موقفها الذي بُني على الجهالة، أو(حسن النية)؛ أما التدقيق الموسع، والإبحار في بيانات العملاء السرية، ومعلومات دقيقة عن البنوك، والقطاع المصرفي من الداخل، لأسباب (تحقيقية)، فسيكون هدفا استثنائيا لرجال الاستخبارات المنضمين إلى فريق العمل. آثار كارثية مدمرة تُلحقها عمليات غسل الأموال بالقطاع المصرفي، والاقتصاد بشكل عام؛ فالدول باتت تُصنف أمنيا وفق قدرتها على حماية قطاعها المصرفي من سرطان «غسل الأموال وتمويل الإرهاب» المدمر؛ فالهيئات الدولية، وزارة الخارجية الاميركية يُصدرون تقارير موسعة تحدد فيها البلدان الرئيسية في غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
التقرير الأميركي للعام 2008 اعتبر «لبنان» من «الدول الرئيسة في غسيل الأموال»، لذا لم يكن مستغربا تصفية أحد مصارفها في العام 2011 لأسباب مرتبطة بغسل الأموال وتجارة المخدرات؛ ما زالت التبادلات المالية في لبنان تشكل خطرا كبيرا على المنطقة؛ فالفساد المالي يقود دائما إلى مشكلات أمنية تتجاوز تداعياتها الحدود. قد تكون تجارة المخدرات إحدى قنوات غسل الأموال الرئيسة، إلا أن تمويل الإرهاب، الرِشاوى، المال السياسي، الرقيق الأبيض، وعمليات الابتزاز باتو يشكلون المنظومة المتكاملة لعمليات غسل الأموال في لبنان. أصبحت الأموال القذرة تسيطر على مجريات السياسة، والإقتصاد، وشراء الذمم وتوجيه المواقف السياسية لمصلحة قوى خارجية؛ وتجاوزتها إلى تمويل جماعات الإرهاب التي تقوض أمن لبنان، وتستهدف أمن دول المنطقة واستقرارها؛ الأموال القذرة هي التي مولت، و تمول الحملات السياسية، والإعلامية ضد المملكة وشعبها؛ وتتسبب في الإضرار بالمصالح الوطنية لاسباب مالية صرفة؛ عشرات الملايين من الدولارات دُفعت لشراء الذمم، وتوجيه المواقف السياسية، وتمويل الإرهاب الدولي!؛ تلك الأموال الضخمة تُصنف ضمن «الأموال القذرة» التي يجرمها قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإقحامها في القطاع المصرفي يعني جريمة للقائمين عليها؛ للأسف الشديد فبعض البنوك الخليجية تورطت في قبول تلك الأموال وإيداعها في حسابات مصرفية داخلية، أو تمريرها إلى الخارج تحقيقا لأهداف سياسية؛ الإدانة الدولية قد تختفي مؤقتا لأهداف محددة، إلا أن ظهورها مستقبلا لن يكون مفاجأة للمطلعين على الأساليب الدولية في التعامل مع جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لبنان، وبرغم تصدرها قائمة الدول الرئيسة في الجرائم المالية، احتضنت مؤخرا منتدى دوليا لمكافحة غسيل الأموال!!. الدكتور جوزيف طربية، رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، اشار في المنتدى نفسه، إلى أن حجم الأموال المغسولة عالميا تقدر بـ 3 تريليونات دولار. أعتقد أن الرقم الصحيح ربما تجاوز 4 تريليونات دولار سنويا؛ ففي العام 2008 اشار تقرير أميركي رسمي إلى أن حجم الأموال المغسولة تقدر بنحو 3.61 تريليون دولار. فإذا ما أضفنا نسبة نمو تُقدر بـ 5 في المائة سنويا، وهي نسبة متحفظة، يصبح الحجم الكلي للأموال المغسولة مقاربا لـ 4.15 تريليون دولار، وهو الرقم المرجح في العام 2011م. الأزمات العالمية، انهيار الأسواق، والفوضى يتسببون في زيادة نسبة الفساد المالي، وتضخم حجم الأموال المغسولة، وليس العكس.
عودا على بدء، فحجم الأموال المغسولة سنويا، يضع القطاعات المصرفية أمام تحديات كبرى لمواجهتها، ومنعها من التغلغل في حسابات العملاء، وكشفها إذا ما تجاوزت اسوار الحماية المنيعة، وعدم التستر عليها، أو تجاهلها، فتداعياتها القانونية، والدولية المدمرة أكبر بكثير من قدرة بعض الدول على تحملها، وليس القطاعات المصرفية فحسب.
f.albuainain@hotmail.com