نعلم جميعاً أن لكل مهنة كليّة، فكليّات القانون والحقوق والأنظمة تخرِّج المحامين، وكليّة الهندسة تخرِّج المهندسين، والكليّات الأمنية تخرِّج ضباط الأمن وهكذا بالنسبة للمهن الأخرى. أما المعهد العالي للقضاء فهو المعهد الذي يتخرَّج منه معظم القضاة في طول المملكة وعرضها، بالإضافة إلى خرِّيجي كليّات الشريعة.
لذلك، كان النقص الشديد في عدد القضاة ومعاونيهم وأعضاء مكاتبهم مقارنة بأعداد القضاة في الدول الأخرى لاسيما الخليجية منها منسوبة إلى عدد السكان.
ذلك هو الوضع قبل صدور الأنظمة القضائية الجديدة، أما بعد أن صدرت هذه الأنظمة، وتعدَّدت درجات التقاضي من محاكم الدرجة الأولى واستئناف ومحكمة عليا في القضاء العام والقضاء الإداري، وأضيف إلى القضاء العام أقضية جديدة كمحاكم الأحوال الشخصية والمرور وعدد من اللجان ذات الاختصاص القضائي التي تفوق الثلاثين لجنة، فإن المجلس الأعلى للقضاء سيجهد كثيراً في الحصول على القضاة لملء تلك الشواغر ومصدره الرئيس هو المعهد العالي للقضاء مع محدودية عدد خريجيه.
كنت أعلم منذ مدة أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تعكف على إعداد مشروع لتطوير المعهد العالي للقضاء، لكن ما تسرَّب عنه لا يكفي للحكم على مدى مواءمته لمتطلبات الأنظمة القضائية الجديدة، إلا أن إحالته من المقام السامي إلى المجلس الأعلى للقضاء، يدلّ على أمرين: الأول أن هذا المشروع الأساس في تزويد المحاكم بالقضاة قد أنجز، أما الأمر الثاني فهو إدراك المقام السامي لتأثيره الكبير على تحقيق أهداف الأنظمة القضائية الجديدة، وذلك بإحالته إلى الجهة المسئولة عن تطبيق تلك الأنظمة لإبداء الرأي فيه، وهو ما يحسب للمقام السامي من حيث إشراك جميع الجهات ذات العلاقة بمسألة ما قبل إبرامها.
يبدو من تصريح الشيخ عبد الله بن محمد اليحيى أمين عام المجلس الأعلى للقضاء والمتحدث الرسمي للمجلس حسبما نُشر في الصحف المحلية، أن المجلس قد تدارس المشروع وثمَّن مبادرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إعداده، خاصة ما تضمّنه هذا المشروع من برامج طموحة لتطوير المعهد العالي للقضاء لكي تواكب النقلة التطويرية والنوعية لمرفق القضاء تتمثل في رفع مستوى أداء القضاة وتأهيلهم وتدريبهم ليتمكنوا بعون الله من أداء دورهم كسلطة قضائية وفقاً للأنظمة القضائية الجديدة وآليّاتها التنفيذية.
أنا على ثقة من أن توصيات المجلس الأعلى للقضاء التي رُفعت للمقام السامي حول هذا المشروع، قد عالجت كثيراً من نواحي القصور واستشرفت المستقبل وخاصة تكوين قاعدة من القضاة الأكفاء لتسنّم مقاليد إحقاق العدل كمًّا وكيفًا، وأتمنى أن يكون من بين تلك التوصيات ما يفسح المجال أمام خريجي القانون والحقوق والأنظمة للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء ليسهموا مع خريجي كليّات الشريعة في تولي القضاء وسد النقص الكبير في عددهم خاصة في المحاكم المستحدثة والتي تنظر في المنازعات وفقاً لما صدر من ولاة الأمر من قوانين وأنظمة.
info@almullalaw.com