تنشأ الطبقية الاجتماعية في المجتمعات المدنية نتيجة لاختلاف وسائل كسب العيش، ثم تتجذر وتتعمق مع الزمن عبر توارث الأجيال للمهن حتى تتحول إلى حالة دائمة ومزمنة. وقد تحمي الطبقة الغنية نفسها بالقوانين عبر تحالفها مع السياسة، وقد تسعى للحصانة الدينية عبر التحالف مع رجال الدين الوضعي، (كما حدث في الهند) أو الدين السماوي المُحرَّف (أوروبا الوسطى). يقول (روسو): «المُنتصر يعلم أن القوة زائلة؛ لذا يعمل على تحصين نفسه بالمشروعية الدينية». وهكذا تتقوقع الطبقات، ويصبح من الصعب جداً اختراقها إلا من خلال الثورات الاجتماعية. والمجتمع المثالي هو الذي يتساوى فيه الأفراد بالفُرص حسب كفاءتهم فقط، وبحماية القانون الشفاف العادل. ويُعَدّ ما يوصف بالحلم الأمريكي أكبر مفاخر الولايات المتحدة؛ حيث يستطيع مهاجر أو ابن مُهاجر مُعدم أن يكون مليونيراً، أو رئيساً للدولة. أما المجتمع الطوباوي فهو الذي يتمتع الجميع فيه بالمستوى المعيشي نفسه. وكان هذا المجتمع موجوداً فقط في كتب الفلاسفة المثاليين، ولكن المجتمعات الاسكندنافية أثبتت إمكانية تطبيقه عملياً. تكاد مُجتمعات الجزيرة العربية تخلو من الطبقية؛ لأن الإسلام دين المُساواة والعدل ومُحاباة الفقراء ورعايتهم ومُكافحة التفاضل إلا بالتقوى، ولخلو الجزيرة من التجمعات المدنية بسبب فقر البيئة، كما أن المذاهب الإسلامية التي تُقدس سلالة معينة لم تجد قبولاً لدى هذه المجتمعات. ولكن في الوقت الحاضر بدأت تنبت جذور خفية في المجتمع السعودي يُمكن أن تُثمر مع الزمن تمايزاً اجتماعياً قابلاً للاستمرار. يُعَدّ التعليم الآن مفتاح الثراء، وتوفره الدولة مجاناً، لكن القطاع الخاص يوفر بديلاً متطوراً مُكلفاً مدعوماً الإنجليزية بدءًا من مرحلة الروضة حتى الجامعة. والمقتدرون فقط هم من يستطيعون تحمل تكاليفه. ولما كانت الإنجليزية هي لغة المال والعمل والشركات الكبيرة الحكومية والخاصة فإن خريجي التعليم الخاص سيهيمنون على وظائف تلك القطاعات، وسيكونون قادرين على توريث هذه المُكنة لأبنائهم، وسيقاومون بضراوة تعريب التعليم والأعمال؛ حتى لا يفقدوا هذه الميزة. بينما ستدور الفئة الأقل حظاً من الثروة في حلقة الفقر المفرغة. ولما كان من شبه المستحيل توفير القطاع العام مستوى التعليم نفسه الذي يوفره القطاع الخاص فإن من العدل والمصلحة تحديد فترة معقولة لتعريب بيئة العمل في القطاعات والأنشطة كافة،ولتكن أولها شركة أرامكو السعودية، وشركة سابك، وكل الشركات الأخرى التي تملكها الحكومة كلياً أو جزئياً، وكذلك البنوك وشركات الوساطة وباقي الشركات. وبعد انتهاء هذه الفترة يُجرَّم اشتراط الإنجليزية للتوظيف، وعندئذٍ ستنتهي الحاجة إلى تعذيب أولادنا بلغة أُخرى كما هو شأن كل الأمم الحية والدول المتطورة.
Ibrahim@alnaseri.com