الحديث عــن الجود وأجواد الناس حديث ممتع وجميل، وما ذاك إلا لأن خصال الجواد خصال جميلة وسيرته مما يتناقله كتّاب السير ورواة الحديث، وكثيراً ما أنصت الناس في مجالسهم وبكل شوق عندما يتحدث متحدث عن جواد سواء من سالف الزمان أو حاضره.
حاتم الطائي ذلك الرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنداً الحديث لابنته التي جيء بها مأسورة في إحدى الغزوات (لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه) وأمر عليه السلام بإطلاقها، مشيراً إلى أن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.
وقصص أجواد العرب أكثر من أن تحصى، حيث تغص بها كتب التاريخ وسير الفضلاء.
وفي هذا الزمن هناك من يمكننا أن نقول إنهم من أجود الناس وأكرمهم وأكثرهم نبلاً وعطاء وشعوراً بالآخرين، ولكن في العادة أن هؤلاء لا يعلم عنهم إلا القليل، فهم في الغالب يوكلون من يقوم بالبذل والعطاء نيابة عنهم، وما ذلك إلا بسبب خشيتهم الافتتان بالسمعة التي إذا تحولت إلى هدف ذهبت بالأجر.
قابلت بعض هؤلاء وجهاً لوجه في مناسبات مختلفة وأعرف بذلهم وسخاءهم مما يتناقله بعض المقربين منهم فأدعو لهم كما يدعو لهم كل من سمع بجودهم، ولكنني في هذه المقالة أتكلم عن شخصية لم أقابلها ولم أر لها ظهوراً إعلامياً أبداً، ولكن وبمحض الصدفة تعرفت على جوده وبذله المنقطع النظير، تعرفت على متابعته مشاريع الخير وحرصه على إتمام ما بدأه من بذل في أي باب من أبواب البذل، عرفت عنه مشاريع للأيتام، ومشاريع وقفية كبيرة، وهبات لجمعيات إنسانية، وحرص شديد على تفقد أحوال من حوله عرفهم أو لم يعرفهم، في حضور إنساني نبيل، بل قمة النبل والجود والعطاء.
الشيخ سليمان من محافظة الرس ولولا أنني أخشى أن ذكر اسمه سيزعجه لذكرته، ولكنني أكتفي باسمه الأول، هذا الرجل الذي اطلعت على وقفة إنسانية منه نادرة في هذا الزمن تتعلق برجل سجن إثر كفالة وهو كبير في السن، فأبت شهامته إلا أن يفك أسره بل ويتابع الأمر بنفسه وكأنه واحد من أهله، وسعى في مشاريع الخير سعيا حثيثا وكأن لسان حاله يقول: سأقطعك أيها الزمن قبل أن تقطعني من فعل الخير وبذل المعروف والإحسان، أنصت لصاحبي الذي يعرف نزرا من سيرة الشيخ سليمان ورفعت أكف الضراعة لله بأن يجازيه أضعاف ما يتمنى ويحسن له في الدنيا والآخرة.
إن العاقل الحق والحصيف الواعي هو من يعمر رصيد آخرته ما دام قادر على ذلك قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، والعجب كل العجب من هؤلاء الذين عمروا دنياهم ونسوا آخرتهم بهذا التقتير وهذا البخل، الذي أسميه الإفلاس الحقيقي.
ما أحوج الإنسان إلى تذكر مصيره وما هو الرصيد الحقيقي الذي يجب عليه تنميته وزيادته، وهذا التذكر ليس شرطا بسماع المواعظ والخطب، ولكنه فقط بالخلوة بالنفس، فهذا سيجعل من الإنسان حري بأن يحقق التوازن المطلوب، إن كان ثمة قلب يعي ويفقه.
نموذج الرجل (الرسي) يعد من النماذج الواعية المدركة والمستشعرة في نفس الوقت واجبها تجاه مجتمعها وأمتها.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يكثر من أمثاله.
والله المستعان
almajd858@hotmail.com