النقد البنّاء، هو حالة من التقويم بالعدل، وطريقة إلى وزن الأمور بالقسطاس المستقيم. وكما أنه سبيل إلى تصحيح المسار، فهو - أيضاً - سبيل إلى إضاءة الطريق؛ لمواجهة الانحرافات، والأخطاء بالوسيلة الصحيحة.
فالنقد البنّاء مطلب إنساني، به نعرف الصواب من الخطأ، فنثني على الخير وأهله، ونذم الشر ومن على شاكلته.
وحتى لا نعتمد على مقدمات خاطئة، تقودنا إلى الخطأ، فإن لا أحد يدّعي الحقيقة المطلقة، ولن نكون موضوعيين إذا فعلنا ذلك، وتلبسنا به. فآراؤنا صواب تحتمل الخطأ، كما أن آراء غيرنا قد تكون خطأ، لكنها تحتمل الصواب. والاختلاف - حينئذ - سيكون اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، - خصوصاً - إذا كانت القضايا المتداولة حولها الآراء محل اجتهاد.
إذا كان النقد البنّاء حول فكرة «ما» يمكن قياسها، فإن بذل الجهد لوصفها عن طريق إبراز الإيجابيات، والسلبيات بشكل منضبط، ووفق ضوابط شرعية، أو عقلية؛ من أجل دفع توجه العمل نحو الأمام، - مطلب مهم -.
ولإيجاد نقاط تواصل بين أطراف الموضوع، فإن عرض وجهات النظر على عقولنا بكل شفافية، دليل على إمكانية التشخيص العلمي الدقيق؛ لتصحيح الأخطاء، وعدم تراكمها، كما أنه دليل على ثقة المنقود بقدراته، ونزاهته.
- وبالتالي - فليس من النقد البنّاء، الدخول في النيّات، والخوض في المقاصد. وتأكيداً على حفظ الكلمة، وتشديدا في تحمّل مسؤوليتها، فقد فصّل أهل العلم - رحمهم الله - في شأن التساهل في هذا الباب، فإذا كان المقصود من النقد مجرد الذمِّ، والعيب، والنقص، فإنه يكون محرماً. وأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين، - خصوصاً - لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة، فليس بمحرم، بل مندوب إليه.
لن نخاف من النقد البنّاء، فهذا النوع من النقد، سيرينا أموراً لم نكن نراها، فنصحح - من خلاله - أخطاءنا، ونعلو به أعلى درجات النجاح.
ولأن إتاحة الفرصة لهذا النوع من النقد - مطلب مهم -، فإن قبوله يُعتبر من الكمال البشري، والاستجابة له دلالة على الشجاعة.
وهذا المسلك ذكرني بتصريح رئيس هيئة الرقابة والتحقيق - قبل أيام -، الدكتور صالح العلي، من أن هيئته تتابع كلّ ما يُنشَر في الصحافة المحلية، عن جوانب القصور في أي جهة، معتبراً أن: «الصحافة تقدّم هدية معلوماتية مجانية لهيئة الرقابة والتحقيق».
فكل من صحح خطأه، ولم يتستر عليه، أصلح داخله، وشارك في عملية الإصلاح.
ورحم الله امرئ، أهدى إلينا عيوبنا.
drsasq@gmail.com