تعرف نطرية المؤامرة (Conspiracy Theory)، بأنها محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث السياسية أو الاجتماعية أو التاريخية، ولقد ظهر هذا المصطلح بداية في مقال اقتصادي صدر في بريطانيا عام 1920م وشاع تداوله في الستينات من القرن المنصرم وتم تعريفه في قاموس أكسفورد الشهير عام 1997م. هذه المقالة تحاول تتبع سير العلاقات العربية الإيرانية واستخدام
نظرية المؤامرة لفهم كينونة هذه العلاقات. وقبل الخوض في صلب موضوع هذه المقالة فلا بد من التأكيد هنا على حقيقة بأن أحد أهم خصائص نظرية المؤامرة تشير إلى أن بعض الأطراف المشاركة فيها تكون مغيبة عن الدوافع الحقيقة للمؤامرة والتي تكون حكراً على المتآمرين لا على المنفذين.
فالمتآمر هنا هو الحكومات الإيرانية المتعاقبة وإسرائيل والمتآمر عليه هو العالم العربي من المحيط غرباً وحتى الخليج العربي شرقاً. ولإخراج النظرية من نطاق التنظير إلى نطاق التطبيق فلا بد من تتبع أمثلة تثبت بالدليل القاطع صحتها ويستطيع الجميع التأكد منها.
يعلم الجميع بمطامع إيران في السيطرة على الخليج العربي. الفرق في تطبيق هذا اختلف بين الشاه الذي كان يصرح بهذه الأطماع وبين حكومة الملالي بعد الثورة والتي أخذت منهج التقية في عدم الإفصاح عن أطماعها في الخليج العربي إلى أن ضاقت صدورهم بها فلم يستطيعوا لإخفاها صبراً. جاءت الثورة الإسلامية من منفاها في فرنسا عام 1979 لسدة الحكم وبالكاد لم تكمل سنتين حتى نشبت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. حرب ضروس أضنت الجميع واستمرت لمدة ثماني سنوات ووضعت أوزارها في أغسطس 1988م. من هنا يمكن عملياً تتبع خيوط المؤامرة، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي كانت تصف الولايات المتحدة الأمريكية ليل نهار وبمناسبة وبغيرها بأنها الشيطان الأكبر ووصفها برائدة قوى الاستكبار العالمي تبرم معها صفقة سرية لتزوديها بالأسلحة عن طريق إسرائيل والتي لم يبقَ للقيادة الإيرانية في قاموس الشتم كلمة إلا ونعتتها بها. حدث هذا من خلال تسريبات صحفية وتأكد منها العالم بأسرة لاحقاً. ففي أغسطس 1985 اجتمع سراً وفى باريس كل من جورج بوش الأب والذي كان وقتها نائب الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيس الوزراء الإيراني الحسن بني صدر ومندوب من المخابرات الخارجية الإسرائيلية « الموساد» هو آري بن ميناشا وتاجر أسلحة إيراني. تمخض الاجتماع عن موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعن طريق إسرائيل بـ3000 صاروخ من طراز « تاو»، وصواريخ هووك، أرض-جو المضادة للطائرات. السبب المعلن بعد انكشاف أمر الصفقة والتي اشتهرت باسم» إيران غيت»، هو إطلاق سراح خمسة رهائن أمريكيين محتجزين في لبنان. غير أن العديد من الوثائق المؤكدة تثبت بأن وصول الأسلحة الإسرائيلية لإيران قد بدأ فعلياً مع بديات الحرب العراقية الإيرانية. المضحك المبكي والمؤكد هنا بأن إسرائيل قد زودت إيران بالأسلحة التي صادرتها من خلال غزوها البربري للبنان واحتلال بيروت في صيف 1981م. ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، لم تنفك القيادة الإيرانية على الإصرار على تصدير ثورتها للعديد من البقاع وركزت جهودها هذه على العالم العربي لمعرفتها الأكيدة مع بقية المتآمرين بأنه النقطة الأهم والحاضنة الرئيسة للإسلام السني والمستهدف النهائي للمؤامرة. نجحت الحكومة الإيرانية في خلق ذراع لها في لبنان متمثلة في حزب الله، حيث ساعدت البيئة الطائفية والتشتت والتمزق بالإضافة إلى العديد من الظروف السياسية المتمثلة إجمالا بالوجود المكثف لفلسطيني الشتات والتدخلات الخارجية. كل هذه الظروف مجتمعة أدت لنجاح التجربة الإيرانية من خلال حزب الله والذي رفع شعار المقاومة ضد إسرائيل، شعار حق أريد به باطل. فمن باب حساب المكاسب والخسائر لتجربة حزب الله في لبنان الموجه أيدلوجيا والمدعوم إيرانيا من ألفه إلى يائه، يمكن القول بأن الخسائر فاقت بمراحل المكاسب. تحرير جنوب لبنان المكسب الذي يتغني به حزب الله كان سيتم حتماً لأنها أراضٍ اعترف المجتمع الدولي بلبنانيتها ولا نزاع عليها بادئ القول. في المقابل عاش ويعيش لبنان منذ أن قوي دور حزب الله حالة مزمنة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي. نتج عن هذا الوضع تكوين دولة داخل دولة وهو أمر لا يستقيم أبدا ولا يمكن أن يستمر. تعرض فيها لبنان لعديد من الاعتداءات الإسرائيلية كان أعنفها حرب تموز عام 2006م، واستخدم لبنان كقدر ضغط يتم تنسيمه كل ما زادت الضغوط الدولية على إسرائيل. ويتضح جلياّ بأن إسرائيل خرجت من هذه الحرب منتصرة بعكس ما تم الترويج له إسرائيليا وعربياً. فلقد استفادت إسرائيل بأن أثبتت للعالم المناصر له والمتردد بأنها ضحية لهؤلاء العرب الأشرار الذين يحيطون بها. وبهذه الحرب وبطريقة غير مباشرة تخلت إسرائيل بمساعدة المتآمرين عن كافة التزاماتها للفلسطينيين منذ اتفاقيات أوسلوا وحتى خارطة الطريق التي كان يؤمل وحسب مريئاتها أن تقام دولة فلسطينية بحدود عام 1967م وذلك بحلول عام 2005م. وسوقت عالمياً بأن صواريخ حزب الله أكدت لها أن وجودها يتعرض لخطر داهم جعلها تعيد كافة حساباتها في عملية السلام.
وبطريقة مباشرة، فلقد تدخلت القيادة الإيرانية دوماً في إجهاض جهود المصالحة الفلسطينية ووقفت حجر عثرة من أجل إخفاق اتفاق القاهرة للمصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية «فتح» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس». ولقد أدت الظروف السياسية التي نشأت في مصر بعد ثورة يناير من حدوث اختراق هام للغاية لإتمام اتفاق المصالحة الفلسطينية والذي سيوقع عليه كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس نهاية هذا الأسبوع في القاهرة. ولعل الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين مؤخراً واستنكار حماس لنوايا القيادة الإيرانية ضدها ربما كان سبباً من الأسباب لبداية فك الارتباط بينهما وعودة حماس لكنف أمتها العربية.
والمتابع للعلاقات الإيرانية السورية يتضح له حدوث اختراقات أمنية عديدة في الشأن السوري يجمعها دوراً إيرانيا في كافة مجرياتها بطريقة أو أخرى. فمثلاً قامت إسرائيل بقصف المفاعل النووي السوري في دور الزور في سبتمبر عام 2007م من معلومات زودها بها الجنرال- علي رضا عسكري وهو قائد في الحرس الثوري الإيراني ولجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتم اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية الملقب بالحاج رضوان في ضاحية من ضواحي دمشق ذات تحصين أمني عالٍ في فبراير 2008م، حيث كان سيشارك في الاحتفالات بمناسبة ذكري الثورة الإسلامية الإيرانية. وقد برر أحد حراسه الإيرانيين بوجود اختراق أمني أدى لاغتياله. وليس بسر أن العلاقات الحميمة بين طهران ودمشق قوضت وبشكل كبير تطور العلاقات العربية وخصوصاً الخليجية باتجاه دمشق، وإن كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد صرح، في برقية سرية كتبها الأمين المساعد لمكتب شؤون الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية وسربها موقع ويكيليكس، قائلا إن بلاده ليست تابعة لإيران وأن علاقاتها معها علاقة مصالح، حيث إن إيران تدعم المصالح السورية. وإن كان جوهر العلاقات القائمة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية ينطلق حسب تحليلات الكثير من المراقبين من منطلقات عقائدية، فإنه ومن المؤكد أنها علاقات لا تخدم مصالح الأمة العربية من قريب أو من بعيد.
العلاقات الإيرانية العراقية هي مثال صارخ على أن نظرية المؤامرة ضد الأمة العربية لها ما يساندها على أرض الواقع. وعودة أخرى إلى قاموس الشتائم الذي أصبح ملازماً لتصريحات المسئولين الإيرانيين، فمن المعروف أن الرئيس استنفذ كل ما احتواه قاموس الشتم الحكومي الإيراني في وصف أمريكا وكونها العدو الأول والأخير للأمة الإسلامية وبأنها الشيطان الأكبر وإلى ما ذلك من المفردات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، نراه وعلى مرأى ومسمع من العالم يقوم بزيارة رسمية للعراق المحتل في مارس 2008م، ويوقع سبع اتفاقيات مع الحكومة العراقية برئاسة جلال طالباني. وصرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لوكالة الأنباء الإيرانية، آريانا، «الهدف الأساسي من زيارتي للعراق هي لفتح حدود سلام مستقرة بين العراق وإيران». فقد صدق في الجزئية الأولى من تصريحه فقد تم فتح الحدود العراقية على مصراعيها لإيران لتسرح وتمرح كيفما شاءت ومتى ما شاءت، بل أصبح الشأن العراقي أمراً مشاعاً لإيران تفعل فيه ما تريد. من تشجيع للتفرقة المذهبية إلى تأطير القتل عليها، وخلق حالة من الفوضى العارمة والتي لم يشهد العراق مثيلاً لها في تاريخه المعاصر. وقامت الحكومة الإيرانية وبأدلة موثقة بسرقة النفط العراقي قبل وبعد زيارة الرئيس الإيراني للعراق. وبدأت السرقات الإيرانية للنفط العراقي تطفو على السطح بدءاً من 2007م. وأعلنت بهذا الصدد هيئة النزاهة العراقية في عام 2008م بأن إيران تسرق النفط العراقي من أكثر من 15 بئراً في المناطق الجنوبية للعراق.
ليس هناك دليلاً واضحاً وجلياً على أن نظرية المؤامرة لها ما يبررها على أرض الحقيقة كما هو الحال في ملف إيران النووي. هذا الملف الذي بدأ عام 1960 بمساعدة أمريكية بطلب من شاه إيران محمد رضا بهلوي، حيث تم إنشاء مركز طهران للبحوث النووية. وتم تفعيل عمل المركز بقدرات لوجوستيه وتدريبية بمساعدة فرنسية أمريكية وذلك عام 1967م. وبعد قيام الثورة الإسلامية قوض العمل في المشروع النووي الإيراني والذي تأثر بشكل كبير للغاية بسبب غارات الطائرات العراقية في الأعوام 85، 86، و87. وبعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية وبمساعدة صينية وروسية بدأت إيران مجددا تفعيل برنامجها النووي منذ العام 1992م. ومنذ ذلك التاريخ والجميع يسمع عن المفاوضات الماروثونية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمجتمع الغربي في مرحلة أولى ومجموعة الترويكا التي تضم الصين وروسيا في مرحلة لاحقة. مفاوضات أعلنت فيها إيران بأنها مستمرة في تخصيب اليوارنيوم المشع، بل إنها تصرح بأعداد أجهزة الطرد المركزي التي تساعدها في عملية التخصيب. وإقامة كذلك العديد من المفاعل النووية في أماكن متفرقة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعل أشهرها على الإطلاق مفاعل بو شهر على الضفة الأخرى من الخليج العربي. ولقد شهدت الأربع سنوات التي خلت تركيزاً لم يكن يفارق تغطية وسائل الإعلام في تغطيتها للملف النووي الإيراني وبشكل يومي، ثم ما لبث هذا الوهج أن اختفى أو توارى عن الأنظار. علماً بأن العديد من التقارير الغربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر تقرير شعبة المخابرات الخارجية الألماني (بي. ان. دي)، يفيد بأن هنالك دلائل على أن إيران في طريقها خلال أشهر لصناعة القنبلة النووية. مفاعل تموز النووي العراقي والذي كان في بدايته تمت تسويته بالأرض من خلال غارة جوية إسرائيلية في 7 حزيران 1981م. وكذلك تم تدمير المنشأة النووية السورية تدميراً كاملاً والتي لم تصل لمرحلة مفاعل في سبتمبر 2007م. فلو كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكل تهديداً لإسرائيل، هل كان لها أن تزودها بالأسلحة خلال الحرب الإيرانية العراقية أو سكتت عن برنامجها النووي الذي بلغ مرحله متقدمة للغاية؟
وللذين لا تقنعهم أطروحات نظرية المؤامرة الإيرانية على العالم العربي، عليهم العودة إلى تصريحات أحد النواب الإيرانيين مؤخراً والتي أفاد فيها بأن طرد مملكة البحرين لدبلوماسي إيراني يعتبر عملاً انتحارياً. عملاً من أعمال السيادة الوطنية لكل دولة على أراضيها، خصوصاً مع افتضاح دور القيادة الإيرانية وكونها المحرك الأول والأخير لأحداث مملكة البحرين، يعتبر من قبل الحكومة الإيرانية عملاً انتحارياً. وفى تصريح آخر قال رئيس الأركان الإيراني إن الخليج العربي مُلْكٌ لإيران. نعم، فلقد قال « الخليج ملك لإيران»، وقوله هذا ليس من ترهات نظرية المؤامرة كما قد يعتقد البعض، بل هو نص ما قاله. هكذا تفكر القيادة الإيرانية بعد أن سقطت الأقنعة، تفكر باستعلاء وفوقية وعدائية، وأصبح صدق أطروحات نظرية المؤامرة واضحاً للعيان.
باحث إعلامي
Alfal1@ hotmail.com