«فوق هام السحب وإن كنت ثرى
فوق هام السحب يا أغلى بلد»
من منا لا يعرف هذه الأغنية ولا يتذكرها؟
بالتأكيد أغلب السعوديين مرت بهم هذه الأغنية وكثير منهم يكاد يحفظها عن ظهر قلب.
إذاً غالبية السعوديين يعرفون فنان العرب، محمد عبده صاحب السيرة الطويلة في دروب الفن التي تستوجب أن نستحضرها هنا ليس كمجرد مطرب، فكثير هم المطربون، ولكن كرمز وطني أطربنا على مدى تجاوز خمسة عقود من الزمان، وكان له الدور البارز في تشكيل ذائقتنا الغنائية السعودية. نعم محمد عبده رمز مبدع نباهي ونفاخر به أمام المبدعين من الدول الأخرى.
محمد عبده صاحب سيرة تستحق أن تدرس، تمثل فيها الكفاح من طفل عانى اليتم مبكراً حيث توفي والده وعمره ثلاث سنوات مما اضطره لقضاء طفولته بدار الأيتام قبل أن يلتحق بالمعهد الصناعي الثانوي بمدينة جدة ويحصل على دبلوم في صناعة السفن، ثم العمل عقب تخرجه بأحد مكاتب البريد. كان ذلك قبل أن يتفرغ للفن ويمنحه حياته. سيرة كفاح تستحق أن تروى وتمثل في كيفية التغلب على ظروف اليتم والحاجة ونظرة المجتمع للانطلاق نحو تحقيق الحلم الذي راود الفتى اليتيم. بل تجاوز ذلك الحلم بفعله وإبداعه المستمر.
هناك مطربون وبالذات في هذا الزمان تدخلهم الواسطة والمادة والرفاه لعالم الفن، يصرفون على الآلة الإعلامية والدعائية مئات الألوف ورغم ذلك لم يحققوا ولو جزءاً من كفاح الفتى اليتيم محمد عبده عثمان آل دهل القادم من أقصى جنوب الوطن ليصبح رمز الوطن الذي لا يختلف عليه أحد، حتى منافسيه ومناوئيه.
لم يركن للمجد ولم يثنه الرفاه الذي حققه عن مواصلة العمل بكل جهد واحترافية. حتى وهو يتجاوز الستين لم يركن إلى ما تحقق، فكل عمل يقدمه يمنحه ما يستحقه من الجهد والمتابعة وكأنه العمل الأول له. حتى وهو يحمل رصيد مئات الأغاني الخالدة في ذاكرة محبي الغناء والطرب السعودي والعربي، ظل هاجسه الحفاظ على التوهج حتى قال «كل مطرب صاعد يخيفني وأعتبره منافساً لي».
هذا الكفاح وهذه المثابرة التي يجب أن يتعلمها عشاق المجد ويتعلمها شباب الوطن، في كل ميدان. التفوق ليس تاريخاً وليس إنجازات ماضية بل عمل متواصل ودؤوب.
غنى للحب والشوق والألم والحزن والفرح.
غنى للدين وللوطن.
غنى للحكمة والمعنى.
غنى بالفصحى والشعبي.
غنى المزمار والخبيتي والسامري والصوت والعرضة وكافة ألوان الوطن.
غنى الموال والنشيد والحديث والكلاسيكي والأوبريت.
احترم اسم الوطن فلم يبتذل ولم ينجرف إلى موضات الكليب والعري...
محمد عبده أبدع في كل لون حتى حيرنا في أي تصنيف وأي قالب نضعه...
وهل أجمل من تصنيفه «فنان الوطن الأول».
عد إلينا سالماً يا رمزنا الوطني...
نكرمك ونحتفي بك.
عد لنردد معك «الله البادي ثم مجد بلادي»..
عد فالأماكن كلها مشتاقة لك...
عد إلينا أيها البحار ونحن نردد معك: «وصبري صبر بحارة..
بغوا في اليم محارة..
غشاهم موج..
وكانوا للهلاك أقرب..
لولا كثروا التسبيح».
عد فنحن نسبح الخالق وندعو لك بطول العمر...
عد فنحن لا نصدقك حين أطربتنا بآخر رسالة: «كتبت وذي ترى آخر رسالة...
رسالة حبرها دمي.. رسالة تصرخ بهمي...»
لا زال لديك الكثير من الرسائل ولا زلنا ننتظرك مدرسة يتعلم منها الأجيال الفن والكفاح والمثابرة.
malkhazim@hotmail.com