قُتل أسامة بن لادن وخرج من المشهد العالمي بعد أن أرسى قواعد القاعدة التي طرح فكرها عبدالله عزام، وبمقتله انتهت الغرسة الأولى للظلام، لكن بذورها انتشرت على مساحة واسعة من الأرض، وستظل تلك البذور تعطي بذوراً أخرى إذا لم يجد كل من هو على ظهر البسيطة وسيلة من الوسائل المتاحة لديه لانتشال البذرة حتى تخلص الأرض أو تكاد من تلك البذور المفسدة للبيئة والإنسان والحيوان.
عندما يُقتل أسامة بن لادن، فقد خلف وراءه فكراً ما زال يدور في خلد بعض من متبنيه أنه النهج الأولى بالتبني رغم البراهين الدامغة والظاهرة للعيان أن ذلك الفكر لم يحقق شيئاً سوى الإساءة لحامليه وللمجتمع، الفكر الذي يقوم على القتل والإفساد لا يمكن أن يقود إلى الإصلاح والعدل إن ظن أولئك أنهم ينشدونه، فمن لديه ذرة عقل لابد أن يستنتج أن قتل عابر سبيل أو إنسان آمن في متجره أو منزله أو جندي يقوم بواجبه، لا يمكن أن يؤدي ذلك القتل إلى شيء سوى لذة مريضة في مشاهدة الدماء تسيل والنساء ثكالى والأطفال يتامى، ولا شيء غير ذلك.
بهذا الفكر سالت دماء في الشرق والغرب والجنوب والشمال وفي القرى والمدن، ولا تكاد دولة في العالم إلا وقد بُليت بمثل هذا العبث غير الإنساني الذي لا يحمل عنواناً سوى القتل والدمار.
لقد اكتوت بنار هذا الفكر المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب والعراق والصومال والجزائر، وبريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وأيرلندا، وأمريكا، ودول كثيرة في المشرق، وغيرها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وروسيا.
هذا الفكر يحتاج في محاربته إلى أدوات وليس أداة واحدة، فتنقية الكتب، ومراقبة الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة مهمة جداً لكنها غير كافية، لأن المصدر الأساسي لتكوين الشخصية في الغالب يكمن في المنزل ثم المدرسة والشارع وبعدها التركيبة الجينية للفرد، ولعل المنزل يكون ذا أهمية قصوى، فإذا تلقن الطفل مبدأ التسامح والرحمة والرأفة، وحب الناس جميعاً، وعدم زرع الحقد والكراهية، فربما يقوده ذلك إلى حب الخير والبعد عن إيذاء الناس، فماذا نتوقع من طفل ينشأ وهناك من يلقنه تقسيم الناس إلى أعداء طبقاً لمذاهبهم ومعتقداتهم، ولا يستثني منهم إلا ذلك الرأي الذي اختطه لنفسه.
من المحزن حقاً أن القائمين على فكر القاعدة ربطوا ذلك الفكر بالإسلام، والإسلام منهم براء، بل كل ما يفعلونه نقيض ما جاء به الإسلام، فالإسلام دين الخير والمحبة وحفظ الأنفس والأموال والأعراض للبشرية جمعاء، وما جاء الإسلام إلا لعبادة الله سبحانه وتعالى ونشر الخير والمحبة والسلام، لكنها النفس الأمارة بالسوء التي تحيل بالمرء إلى أن يفسر بعضاً من الآيات الدالة على الخير إلى هواه وتحقيق مراده ومبتغاه.
لقد أساء أولئك المتبنون لهذا الفكر إلى الإسلام بربط أنفسهم به، فصارت وسائل الإعلام تردد ما يقولون من بهتان، فيتلقف جمع من المستمعين في أنحاء العالم تلك الأقوال فينظرون إلى الإسلام نظرة مجافية للحقيقة، ولا يمكننا أن نلوم المتلقي لاسيما إذا كانت معرفته بحقيقة الإسلام محدودة وليس ملزماً أن يقرأ القرآن ويدرس معانيه حتى يصل إلى حقيقته، ومن نافلة القول التذكير بأن أعمالاً كهذه قد قام بها منحرفون من ملل ونحل أخرى في دول مختلفة ولأسباب متعددة، مات على إثرها الكثير، وغرقت بسببها مجتمعات في ظلام الفرقة والحقد والاقتتال، فقد سالت دماء بسبب اختلاف الأعراق، والتباين في الآراء والصراع بين المذاهب غير الإسلامية في دول متقدمة وأخرى نامية.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل، وأن يزرع المحبة والصدق والإخلاص والتسامح في قلوب الناس جميعاً حتى يعم السلام والخير في أنحاء العالم.