في عام 1352هـ بدأ الملك عبدالعزيز، في تنظيم الدولة بعد الاستقرار، وفي ذلك العام وجدت حواراً في مجلة الشريعة النبوية المحمدية، التي تصدر بالجزائر عن لسان حال جمعية العلماء المسلمين، الجزائريين تحت إشراف رئيسها عبدالحميد بن باديس،
في عام 1352هـ بدأ الملك عبدالعزيز، في تنظيم الدولة بعد الاستقرار، وفي ذلك العام وجدت حواراً في مجلة الشريعة النبوية المحمدية، التي تصدر بالجزائر عن لسان حال جمعية العلماء المسلمين، الجزائريين تحت إشراف رئيسها عبدالحميد بن باديس، فقد جاء في العدد الخامس مقال للأستاذ الزاهري بعنوان: في مجلس حجاج، يوم الاثنين 22 ربيع الثاني في عام1352هـ تضمن حواراً حول العقيدة، وقبول حج بعض الطرقيين الذين يتعلقون بمريديهم وقد أثنى الحوار على أعمال الملك عبدالعزيز ومحاربته كل ما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما عمل في مكة من محاربة للبدع، والقبور وقاصديها، مما يخالف السنة، وهو مقال طويل، وحوار هادئ مقنع، نجتزئ منه ما يناسب الموقف والحيز المتاح.
إذا كان الحجاج يكتبون بعد العودة من الحج، على دكاكينهم وبيوتهم الحاج فلان، بعلامات متميزة، وفي الحديث عن هذا اللقب، فاجأهم سائل بقوله: ماذا تقولون في من حج الحج الأصغر؟ فسئل: ما هو الحج الصغير؟ قال: هو أن تحج إلى قبر ولي من الأولياء، مثل قبر سيدي (أبي مدين) الغوث في تلمسان، هل يجوز أن يقال له: يا سيدي الحاج كالذي يحج الكبير، أم لا يحق له أن يحوز هذا اللقب؟
قال السائل: رأيت كثيراً من حجاج تلمسان، متى قدموا من الحج، ذهبوا تواً من محطة القطار، إلى ضريح سيدي (أبو مدين) الغوث، فظلوا فيه ليلتهم ومضوا إلى ضريح سيد (الداودي) فزاروه وتبركوا به، كل ذلك قبل أن يدخلوا بيوتهم، ويعتقدون أن هذا هو الحج الأصغر.
ثم طال النقاش في هذا الموضوع، حتى سبب في مشادة أوردها، لتزكية كل فرد شيخه وطريقته، وتكفيره للطرف الآخر، وأن شيخه هو الذي يغفر، لا الشيخ الآخر، يعني من اعتقده الآخر في شيخه لأنصار الكرامات، وتاركين أن الله سبحانه هو غافر الذنوب وحده، وأنه لا شريك له، حتى أن بعضهم لتعلقه بشيخه يكفر أنصار الطرق الأخرى.
وكان بين الحاضرين طرقي يدعي المعرفة والعلم، قد هبط القرية( (متسولاً شحاتاً)، يجمع الصدقات والنذور، و(الزيارات) وحضر هذا المجلس وما دار فيه من نقاش، كل يزكي شيخه وطريقته، ويكفر الطريقة الأخرى ويسفه أعمالهم، وأهل السنة يحمدون الله الذي هداهم للأقوم. فقال ذلك الطرفي، الذي: تدخل في الأمر معقباً هو أن من زار قبراً، من قبور الصالحين والأولياء، كان له من الأجر مثل من أحرم بعمرة فقط، ويجوز أن تكون زيارة قبر الولي بمثابة الحج في الأجر والثواب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فرد عليه أحد الحاضرين وقال: يا فقيه هذا قول باطل، وغير صحيح، فظهرت على الفقيه علائم التأثر والانفعال، ثم قال: ولماذا؟ فقال الرجل: لو صح هذا لزار كل أهل بلد، قبور أوليائهم وصالحيهم، ولتركوا الحج بالمرة.
والأولياء مهما كانت منزلتهم عند الله، فلن يكونوا بأفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يساووه في الدرجة عند الله سبحانه، فهو سيد ولد آدم، وأفضل المخلوقات على الاطلاق، ومحال أن تكون زيارة الأولياء كزيارة ضريحه الشريف، فاتق الله يا فقيه، ولا تقف ما ليس لك به علم، فقال له الفقيه: أنت وهابي وأنت تسب الأولياء، فسأله الرجل: ما معنى وهابي؟ ويحك يا فقيه أما سمعت قول الله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} الحجرات. أليس قولك لي أنت وهابي، هو من باب التنابز بالألقاب؟
أنا مسلم قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأما ما زعمته من أني أسب الأولياء، فهذا يا فقيه محض افتراء منك عليّ، فأنا لم أسبك وأنت لست ولياً، فكيف تزعم أني أسب الأولياء، حاشا لله أن أسب أحد من الناس، كائناً من كان، ولكنك أنت يا فقيه سببت الأولياء وتنقصتهم.
إذا قلت أنا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير منهم، وأن زيارة مسجده وقبره الشريف أفضل من زيارة قبورهم، فهل هذا هو سب الأولياء في نظرك؟
وأنت أيها الفقيه وفي نظري أنه يكرر الفقه من باب الضد، كما جاء في اللغة: إذا تعتقد حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو في درجة واحدة مع الأولياء، فانت من الذين يؤذون النيب، وما قدروا الله حق قدره، ويحك أيها الفقيه، هل هذه منزلة الرسول الأعظم عندك؟ لماذا ويحك لا يرضيك أن يكون سيد الخلق خيراً من أوليائك وأفضل منهم.
وانتقل الكلام إلى صاحب الدار، الذي قال: يا إخواني لماذا نرضى لأنفسنا، أن نكون من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر 45).
وهكذا جعل يعظمهم بآيات الله، حتى وجلت قلوبهم وفاضت بالدمع أعينهم.
والتفت إلى الحجاج خاصة، وقال لهم: يا حجاج بيت الله الحرام، اتقوا الله في الأرض المقدسة، ولا تفتروا عليها الكذب، ولا تنفروا الناس منها، وحدثوا الناس عنها بأحسن ما رأيتم فيها.
فإنه ما من حاج يفترى على حكومة الإسلام في الحجاز، بقيادة ابن سعود، وينتقصها ويتهمها ظلماً بغير حق، إلا كان ذلك دليلاً على أن الله قد قبل حجته، قبولاً حسناً.
وقد رأيت رجلاً حج عدة مرات، ولكن نفسه مازالت مظلمة خبيثة، يفوح نتنها، ويطلق لسانه في دولة القرآن، التي تقيم حدود الله، وهو يفتري عليها الأكاذيب والأقاويل، لا يقول عنها ما هو حق، وهو في الحقيقة بعمله هذا ينفر الناس من الحج، ويدعوهم إلى ترك هذا الركن من أركان الإسلام، ولافرق عندي بينه وبين من يدعو جهرة إلى ترك الصلاة، ويطوف البلدان كلما أراد الحج، يتكفف الناس ويسألهم المعونة على الحج، فيحج ببعض، ما يتصدقون به عليه، وينفق على نفسه بما بقي، فهو يريد الكسب وجمع المال، ولا يريد الحج.
قال الحاج صاحب الدار: لقد أثر كلام هذا الرجل في نفسي، تأثيراً عظيماً، فقلت له: أما أنا فالله يعلم أن قلبي قد طفح بالفرح والسرور.
عندما رأيت بنفسي في حج هذا العام 1352هـ: أنه لا حكم في الحجاز، إلا حكم الله، وأن القائمين على تنفيد هذا الحكم الإسلامي، إنما هم عرب مسلمون، إخواني هم مني وأنا منهم وإليهم، ولا أظن أنه يوجد مسلم على وجه الأرض، إلا يتمنى من صميم قلبه، أن يملأ حكم الله الدنيا كلها، وأن يشمل من في الأرض جميعاً، كما هو قد ملأ الحجاز، وشمل أهل الحجاز.
وأما القباب المهدومة، فإن الحكومة العربية الإسلامية السعودية قد أحسنت إلينا جميعاً معشر الحجاج، فإنها بذلك وجهت وجهتنا كلها لله وحده، فأقبلنا عليه تعالى، بأفئدتنا وقلوبنا، وبأسماعنا وأبصارنا وكان حجنا إليه خالصاً، وكنا نقضي مناسكنا مخلصين، له الدين ولولا ذلك لتوزعت نياتنا.
ولكان لنا في حجنا من هذه القباب شركاء يعني شركاء مع الله، على أننا ذهبنا بنية الحج، إلى بيت الله الحرام، ونزور مسجد رسوله عليه السلام، ولم تكن نيتنا أن نحج إلى تلك القباب، المنصوبة أو المهدومة، ولو لم يكن ذلك مرادنا، لما حملنا أنفسنا مشقة السفر إلى الحجاز، ولا اكتفينا بزيارة هذه القباب التي ملأت علينا بلادنا: سهولها وجبالها، فمن منا يصعد جبلاً، أو يهبط أرضاً أو يقطع وادياً دون أن يجد كثيراً من القباب والمزارات التي يعكف كثير من الناس حولها.
وإنني أعتقد أن بعض المطوفين في الحجاز، هم أيضاً يهولون من أمر هذه القباب المهدومة، ويبالغون في تعظيمها ويكثرون من التأسف عليها، يصفونها في عبارات مؤثرة، تبعث في أنفس الحجاج الحسرة، وتستثير على ذهابها وحنقهم على هادمها.
يقول المطوف للحاج مثلاً: هنا كانت قبة سيد فلان، صفتها كيت وكيت، وهدمها الملك.
وهناك في موضع كذلك كانت قبة، سيدتنا فلانة، ويصف هذه القباب بأروع الصفات، ثم يقول: وقد هدمها الملك أيضاً، فيظن الحاج المسكين أنه بضياع هذه القباب، قد فاته خير كثير.
ولو أن الحكومة العربية السعودية، قد نظرت في أمر هؤلاء المطوفين، الذين يشوهون اسمها عند الحجاج، فوضعت لهم نظاماً كالنظام عند كثير من حكومات أوروبا، للأدلاء والمترجمين، الذين يرافقون السواح، الذين يزورون بلادها، لحسنت سمعتها، ولقضت على هذا النير، الذي يثيره عليها الحاسدون من المسلمين، ولسلمت من هذه التهم، والأقاويل التي تشاع عنها، في كثير من بلاد الإسلام، ولعلها فاعلة إن شاء الله.
مجلة الشريعة العدد الخامس: ربيع الثاني عام1352هـ.