يُعد فالين الفنلندي أول رحالة زار جزيرة العرب وقدم عنها دراسة علمية مهمة اعتمد فيها فضلاً عن المشاهدة والسماع على مقارنات دقيقة دعمها باطلاع واسع على الكتب القديمة، كتب التاريخ واللغة والأدب والبلدانيات.
كنت ذات ليلة في أحدية الشيخ أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري بالرياض وهناك التقيت بالشيخين عائض القرني وعبدالعزيز الحربي وما أن حادثت الأخير منهما حتى عادت بي الذكرى إلى سنوات خلت وإلى لقاءات علمية سماها الشيخ الحربي ليالي الشامية نسبة إلى حي الشامية الذي أقام به الشيخ الظاهري في مكة المكرمة في زيارة مكية رمضانية وعنده دارت حوارات اتسمت بجودة الطرح ولم أكد أفرغ من الدوران في فلك استعادة ذكرى تلك الليالي حتى شدني الحديث في الأحدية وحين جاء دور الدكتور الحربي أراد أن يدخل إلى مادته العلمية من خلال ثلاثة محاور أولها عن السحر وثانيها عن الجن والثالث عن العين في ضوء ما يثار عنها في وسائل الإعلام المختلفة.
لم يتح للدكتور أن يكمل رؤيته بشأن فكرته وقد رد عليه الشيخ القرني رداً فيه حدة وهي حدة المحب على أنه أي الشيخ القرني اقترح عليّ أن أطرق من خلال التلفاز أو غيره ما يقال عن شعر الجن وكان لي بحث عنوانه (زَرَود وشياطين الشعر) قدمته في إحدى لقاءات الجمعية التاريخية السعودية فوعدته بذلك ثم راجعت مع الدكتور الحربي ذكريات ليالي حي الشامية مؤملاً أن أكتب عنها مما هو في مخزون الذاكرة وانصرفت إلى الدكتور البقاعي أحد حضور الأحدية الذي قدم لي مشكوراً نسخة من بحث فالين الفنلندي المسمى صور من شمالي جزيرة العرب بعد فقدان نسخة مصورة من البحث كانت عندي لا أعلم في أي مكان توارت!
ولد فالين في عام 1226 وتوفي في عام 1268هـ (1811م-1852م) واسمه جوري أوغست فالين وهو مستشرق فنلندي ولد في جزائر الآند (غربي فنلنده) وتعلم في جامعتها ووضع كتاباً باللغة اللاتينية سماه «أهم الفروق بين لهجات العرب المتأخرين والمتقدمين» ورحل إلى العاصمة الروسية بطرسبرج (ليننغراد) فازداد في جامعتها علماً بالعربية على يد أستاذها الشيخ الطنطاوي ورحل إلى مصر سنة 1843م فأقام بها ست سنوات زار في خلالها العراق ونجداً وأصبهان وسورية وتزيا في رحلاته بالزي العربي وتسمى «عبدالولي» ثم سكن لندن سنة 1849-1850 واشترك في عمل خريطة لبلاد العرب وعين سنة 1851 أستاذاً للعربية في جامعة هلسنكي (فنلنده) وهو أول من جعل العربية فرعاً مستقلاً في هذه الجامعة ولم يلبث أن توفي وقد أقيم على ضريحه بهلسنكي حجر بسيط نقش عليه اسم «عبدالولي» بحروف عربية وقيل إن صورته وهو في زي شيخ عربي ذي عمامة وقباء ونطاق موجود في الجامعة إلى عهد قريب ونقل إلى بلاده كتباً عربية منها «شرح عبدالغني النابلسي لحائية ابن الفارض» أوميض برق بالأبيرق لاحا. وقد نسخ هذا الشرح بخطه وطبعه على الحجر في هلسنكي مع ترجمة لاتينية وله «مذكرات في خمس مجلدات في وصف ما رآه أيام إقامته في البلاد العربية.
ترجم الزركلي لفالين وقال: إن من نقلوا اسمه حرفياً سموه جورج أوغست ولين والصواب كما يقول الزركلي أن اسمه جوري أوغست فالين كما ينطقه الفنلنديون وأشار الزركلي إلى يوحنا أهتين كرسكو الفنلندي وما كتبه عن فالين في مجلة المجمع العربي.
ابن الفارض الذي مر ذكره ضمن ترجمة فالين هو عمر بن علي بن مرشد حموي الأصل مصري المولد والدار والوفاة من أشعر المتصوفين كان يلقب بسلطان العاشقين قيل إن في شعره فلسفة تتصل بما يسمى وحدة الوجود وكان أبوه من أهل حماة بسورية ومنها قدم إلى مصر فسكنها واشتغل بالفروض ومن هنا جاءه اللقب ونشأ ابنه عمر في بيت علم واشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره ثم حبب إليه سلوك طريق الصوفية فتزهد وتجرد وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة في خرابات القرفة بالقاهرة وأطراف جبل المقطم.
ذهب ابن الفارض إلى مكة في غير أشهر الحج فكان يصلي بالحرم ويكثر العزلة في واد بعيد عن مكة وفي تلك الحال نظم أكثر أشعاره ثم عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عاماً فأقام بقاعة الخطابة بالأزهر وقصده الناس بالزيارة، وروي أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته وقيل في وصفه إنه كان جميلاً نبيلاً حسن الهيئة والملبس حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة سلس القياد سخياً جواداً وكان أيام ارتفاع النيل يتردد إلى مسجد في الروضة ويحب مشاهدة النهر في المساء وكان يعشق مطلق الجمال.
كثرت الأقاويل في ابن الفارض وكثرت التصانيف عن نهجه، قال الذهبي: كان سيد شعراء عصره وشيح الاتحادية وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة وتحت الزي فلسفة وأفاعي وأورد ابن حجر أبياتاً صرّح فيها ابن الفارض بالاتحاد ولابن الفارض ديوان شعر جمعه سبطه علي وشرحه كثيرون منهم حسن البوريني وعبدالغني النابلسي وشرحاهما مطبوعان وليوحنا قمير كتاب ابن الفارض ولد ابن الفارض في عام 576هـ (1181م) وتوفي في عام 632هـ (1235م).
طُبع بحث فالين وتُرجم إلى العربية أكثر من مرة الترجمة الأولى لسمير سليم شبلي وراجعها يوسف إبراهيم يزبك الذي تحدث عن فالين بما نقتطف منه ما ندرجه بين علامتي التنصيص قال يزبك «إن دراسة فالين عن شمالي جزيرة العرب دراسة قيمة منصفة وضعها في منتصف القرن التاسع عشر بعد زيارتين قام بهما لتلك البلاد ونشرت باللغة الإنجليزية في جريدة الجمعية الملكية بلوندرة على دفعتين أولاهما سنة 1852 وهي السنة التي توفي فيها الكاتب والأخرى بعد سنتين من وفاته أي سنة 1854 وشاء سوء حظ الرجل وقد رافقه أكثر أيامه أن تبقى روائع دراسته الممتازة مجهولة من جماهير القراء لم يطلع عليها إلا قلة من علماء الاختصاص بجغرافية العرب وتاريخهم في حين كونها أعظم دراسة في موضوعها كتبها غربي في ذلك الزمان».
«مع فالين الذي عُرف بالعربية باسم الشيخ عبدالولي كان لي قصة بل هوى يرجع إلى قبيل الحرب العالمية الثانية يوم ظهرت بالفرنسية ترجمة كتاب ارتياد العربية منذ الأزمنة القديمة حتى أيامنا للأستاذ كيرنان وقرأت فيها وصف اكتشاف المستعرب فالين لديار حائل وقلت اكتشاف حائل لأن زيارتها يومئذ عسيرة جداً على غير عرب المنطقة بل كان دخول الأجانب قلب الجزيرة العربية أمراً مستحيلاً وما أكثر ما بذله الرحالون الغربيون من ضروب الجهد وصنوف الحيل لارتيادها واستطلاع مجاهلها وكثيرون منهم أعلنوا إسلامهم مؤمنين أو مصانعين ولكنهم باؤوا بالفشل إلا ما ندر».
أما صاحبنا الشيخ عبدالولي فعرف بأنه الرائد الأوروبي الحقيقي الذي وفق إلى دخول شمالي الجزيرة إذ رحل إليه مرتين وعاد منه بمعلومات بكرٍ عدّها العلماء كنوزاً وعلى ضيق ذات يده وحر الصحراء وقلة الماء وبدائية الناس وأخطار الغزو الذي لم يألفه في أوروبا أصر عبدالولي على مصارعة وعورة المسالك وتحمل شظف العيش ومخاوف قطع الطرق ليعرف أكثر ما يستطيع غريب معرفته عن لهجات البلاد وأراضيها وقبائلها وتقاليدها وتجارتها وزراعتها وتربتها ومناخاتها ومياهها ومحاصيلها وما إليها وكوفئ جهده وتعبه بصيدٍ ذي بال.
نقل كيرنان بعض ما كتبه فالين عما شاهده في ديار نجد من تقاليد وعادات فإذا أنت تقرأ كلاماً يدبجه قلم المحبة والإعجاب مع الانتقاد عند اللزوم مما لم نعرفه ولا عرفنا بعضه عند الكتّاب الغربيين في كتاباتهم عن بلادنا واستهواني ما كتبه ذلك المستعرب النبيل وأدهشتني غزارة معرفته الجزيرة العربية إذ تناولها بمختلف حقولها حتى وصف أساليب الزراعة والري فيها والغناء ووصف الأماكن الأثرية وخاض في شؤون دينية واستنبط أحكاماً منطقية على بقايا آثار الحضارات التي عثر عليها وفتش وسأل الأهلين عن نقود عتيقة فلم يعثر إلا على قطعة نقد ذهبية واحدة من العهد الفاطمي وهذه اللقيا ذات شأن عند دارسي التاريخ الإسلامي؛ إذ إن نجداً لم تصل إليها الفاطمية على كونها جارة اليمن حيث استقرت دعوة هذا المذهب بعد انهيار الحكم الفاطمي في مصر ولم يوضح عبدالولي ما هي تلك القطعة النقدية التي عثر عليها: ما قيمتها؟ وفي حكم أي خليفة سكت؟ وفي أية سنة؟.
لقد نهج الشيخ عبدالولي في دراسته نهجاً علمياً إذ رجع إلى مخطوطات عربية قديمة تُعد من الينابيع في معرف تاريخنا وجغرافيتنا وقرأها بإمعان ولكنه ظن أنها جميع ما كتبه علماؤنا الأقدمون في موضوعه في حين أن مخطوطات رئيسية ذات أهمية خطيرة من الأصول التي وصلت إلينا اليوم كانت في زمانه مجهولة المصير ولما يكشف عنها واعتمد صاحبنا أكثر ما اعتمد مخطوطاً لكتاب «معجم البلدان» بالمتحف الآسيوي ببطرسبورغ وفيه أخطاء كثيرة ولكن فالين استطاع فهمه على رداءة خطه بل استطاع تصويب أخطائه وترجمته بأمانة وهذه الأمانة كانت رأس ماله في عمله دائماً.
أعظم ما عرف في فالين بعد رجوعه من نجد إيمانه بصحة الدعوة الإصلاحية وجرأته في الدفاع عنها ولعله أول القليلين الذين أنصفوها في الغرب مبرهناً على أنها مسعى إصلاحي خيّر في الإسلام لا كما صورتها السياسة المغرضة وكذلك كان أول من أذاع أن أطفالها يتعلمون القراءة والكتابة في حين أن الشرق كله بما فيه العالم العربي، غارق يومئذ في الجهل وهذه الشهادة من عالم حيادي صادق كانت إنصافاً قيماً في وجه الافتراءات.
مع صدق الشيخ عبدالولي في إسلامه ظل الرجل أوروبي الأسلوب في إنشائه فهو مثل الغربيين يذكر اسم الله تعالى بدون الإجلال الذي نتقيد به نحن في كتابتنا ويذكر الأنبياء والرسل بدون الصلاة عليهم بل قد يقول باجتهاد ديني لا يقره العلماء والأعجب من ذلك أنه يناقض أسلوبه هذا بكلامه على الحركة الإصلاحية وحبه لها بل هو يظهر أشد منها وطأة على خصومها فيتهمهم تهماً كبيرة.
كانت أمنية صاحبنا أن يتابع السفر إلى الرياض عاصمة السعوديين إلا أن حاجته إلى المال عضته عضاً موجعاً وحالت دون بغيته وقيل إنه فوجئ بموانع فوق طاقته زادت في طينه بلة وأن عين الحسد لحقت به وهو يطوي البيد ويغالب الشظف في سبيل الخير فأرسل مستشرق اسمه هورغارت من ينقل إلى الرياض أن فالين يعمل في خدمة محمد علي والي مصر والمرجح أن هذا الدس عليه جعله ينهي رحلته فتوجه إلى بيت الله الحرام حاجاً تائباً ثم زار المدينة المنورة خاشعاً وبها قطع عهده بالأرض التي أحبها فوق كل حب وقد أثبتت الأيام أن اتهام هورغارت لا يقوم على أساس وبعد سنين كثيرة جاء عبدالله فيلبي يقلل بأسلوب آخر من شأن عمل عبدالولي فقال عنه: «يعتقد بأنه أول أوروبي زار المنطقة».
فلماذا التحفظ يا حاج فيلبي بكلمة «يعتقد» وأنت تعرف أكثر من سواك أنه أول أوروبي زار المنطقة، وأن ليس من دليل واحد قال العكس.. ألا يغفر ضيق العين لمستعرب نزيه في وزن فالين بعد هو وقومه عن مطامع الفتح والاستئثار أنه أنصف العرب وقال فيهم كلام الطيب والحب والإعجاب؟.
وهكذا قطع الشيخ عبدالولي رحلته ورجع إلى وطنه فنلندة تاركاً قلبه في نجد، متمنياً لو يستطيع أن يعيش عمره كله فيه بين إخوانه العرب الذين أحبهم! وقدرت جامعة هلسنكي علم مواطنها وعمل تلميذها فعينته أستاذاً فيها للغات الشرقية وبدأ يعيد النظر في ملاحظاته ويكتب ما دونه من مذكرات فكتب كثيراً. إلا أن حياته الجديدة لم تطل لسوء الحظ فتوفي سنة 1852 عن إحدى وأربعين سنة، وهو يردد: الحمد لله، ثم الحمد لله!
انتهى ما اقتبسناه من يزبك عن فالين وقد قال فالين عن أتباع الدعوة الإصلاحية في نجد: إنهم لا يتخذون كلمة «وهابية» اسماً لهم لأنهم يعدّونها إهانة والذين يطلقون عليهم هذه اللفظة هم أهل البلاد العربية التركية وأتباع هذه الدعوة لا يؤلفون مذهباً خاصاً بهم بل يتبعون مذهب الإمام أحمد وأمراء آل سعود لم يسكّوا نقوداً تحمل أسماءهم.. ومع ما ذكره فالين عن الدعوة الإصلاحية ونفور أتباعها من تسميتها بالوهابية فإنه كرر هذا اللفظ وأعاده حتى وهو في سياق الثناء عليها وذلك كما في سياق قوله إن الأولاد هنا -كما في جميع القرى- يلقنون (منذ الصغر) أصول الدين وشعائره والكتابة والقراءة منتشرتان بينهم أكثر مما هي عليه في المدن العربية التركية.. ولعل ذلك سبقه قلم عند فالين.
زار فالين جزيرة العرب مرتين في عصر الدولة السعودية الثانية وتحديداً في عصر الإمام فيصل بن تركي الأولى في عام 1845 والثانية في عام 1848 وقد سلك في الأولى الطريق إلى حائل من الجوف شمالاً إلى جبة وبعد جبة قال فالين: وفي 19 من أيلول (سبتمبر) - وصلنا في سيرنا نحو الجنوب الشرقي إلى قرية اسمها (قنا) في سهل أرضه «طباشيرية» شديدة البياض وتحيط بالسهل سلسلة من تلال صخور رملية وسكان القرية خمسون عائلة وفيها ست آبار عميقة مياهها غزيرة وعذبة وبين الواحدة والأخرى مسافة قصيرة وقامت حول كل بئر في السهل قرية صغيرة من ستة منازل إلى عشرة ونقل عن ياقوت ما نقله عن أبي زياد عن قنا وما قاله آخرون من أن قنا جبل في شرق الحاجر وفي شماليه جبلان صغيران يقال لهما صايرتا قنا وتتصل بها بساتينها.
هنا لم يفرق فالين وهو ينظر في الكتب القديمة بين قنا التي وصلها في مسيره إلى حائل قبل أن يصل إلى اللقيطة وبين قنا الواقعة جنوب جبل رمان وشمال وادي الرمة بقرب بلدة السليمي كما أنه لم يكن دقيقاً في الاستنتاج في نقل ما دونه الهيثم بن عدي عن جغرافية جزيرة العرب ومضى يقول ومن على ساعة إلى الجنوب من قنا تنتهي فجأة أرض النفود وتتحول إلى أرض مستوية وصلبة تغطيها طبقة رقيقة من الحصى الغرانيتية الخشنة وهذه الأرض الجديدة يتألف منها أكثر نجد ويسميها العرب «قاعاً» لاستوائها ويسمونها «جلدة» لصلابة تربتها أما الأرض المتموجة وذات الجبال أو التلال الرملية فيسمونها «وعرا».
مضى فالين قائلاً: إن اسم «النفود» يكاد يكون الاسم الوحيد الذي يطلق اليوم على البقعة الرملية الفسيحة التي جعلناها سبيلنا من الجوف وكلمة «النفود» -مثل كلمة «البطحاء»- وستعمل لتعني الرمل الناعم المتفكك وتطلق على كل منطقة أو سهل أو وادٍ تربته من هذا الرمل وفي اللغة القديمة كانت تعني القحط وعدم وجود المؤنة والماء ومن المحتمل أنها أطلقت في البدء على كل بقعة صحراوية فسيحة يتعرض فيها المسافرون وجمالهم للهلاك بسبب طول الدرب ونقص المؤنة والماء وهكذا استعملت كلمة «مهلكة» وكلمة «بيداء» للمعنى عينه والأراضي التي تنطبق عليها هذه التسمية قليلة ولعل أجدرها بها هي هذه البقعة المعروفة اليوم باسم النفود وقليلاً ما يسميها السكان الحاليون باسمها القديم «الدهناء» الذي عرفها به كتّاب العرب.. وإذا ما استعملوا كلمة «الدهناء» فللدلالة على رمل ناعم وكثير وهم يقولون الدهناء (بفتح الهاء وليس بتسكينها).
إن النفود يقول فالين من أعظم بقاع العرب ومن أوسعها وتغطي نصف الجزء الشمالي بكامله من البلاد العربية. وإذا عددنا وادي السرحان جزءاً منها كان بدء حدودها الغربية من جبل حلوان المنعزل وهو على مسيرة ثماني ساعات إلى الشرق من تيماء إلى وادي أويسط ومنه إلى محلة تبعد يومين إلى الجنوب أو الجنوب الشرقي من دمشق والحدود الجنوبية تمتد من حلوان بشكل نصف دائري وعلى طول الطريق الذي اتبعته من تيماء وتقترب هذه الحدود كثيراً من جبل أجا حتى لتكون منه أحياناً على ساعات قليلة والحدود الشرقية غير منتظمة بسبب التلال الرملية التي تمتد بغير أن تكون متساوية فمنها ما يصل تقريباً إلى الخليج ومنها ما ينتهي بسرعة في السهل الحجري بين النفود وساحل البحر وأعظم هذه التلال وأطولها سلسلة اسمها الدهناء وأولها قرب الجوف وتتتابع نحو الجنوب الشرقي محاذية مقاطعة الأحساء التي تشكل حدودها حتى تنتهي في رأس الخيمة ومن المحتمل كثيراً أنها تتصل برمال يبرين الفسيحة.
لقد اشتمل بحث فالين على مادة جغرافية ذات قيمة علمية على أن أصل بحثه إنما يندرج ضمن البحث التاريخي بالدرجة الأولى ومع دقته والخدمة العلمية التي قدمها فقد كان له بعض الاستنتاجات التي بناها على الحدس والتخمين وما كان التخمين والاستنتاجات الشخصية مما يصلح ليكون منطلقاً علمياً يبني عليه حكمه أثناء رحلته الأولى وكذلك رحلته الثانية التي سلك فيها الطريق إلى حائل من الساحل الغربي مروراً بتيماء إلى موقق فقفار ثم حائل لكنها الآفة التي لازمت بعض انطباعات المستشرقين وأحكامهم الاستنتاجية وهي استنتاجات الشطحات التي لا تغيب عن فطنة المعنيين بالدراسات الاستشراقية ترجمة وتعليقاً ولدارة الملك عبدالعزيز عناية خاصة ببحوث الاستشراق وقد تساءل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة الدارة وهو يقرأ بحثاً مترجماً لمستشرق ألماني عن جبل أم سُلْمان وموقعه؟ هذا الجبل الذي يرد اسمه محرّفاً في بعض الكتب كما في دراسة فالين مع أن أصل الاسم هو أم سُنمان أي أسنمة جمع سنام وهو من المصادات الطبيعية للكثبان الرملية ويحفُ بـ(جبة) من غربها.. وعند ذلك جر الحديث بعضه بعضاً وانتهى بتأكيد أهمية تعقب البحوث المترجمة من دراسات الاستشراق بالتعليق وكما قال المثل «بيدي لا بيد عمرو» وبهذا المثل استشهد سموه الكريم.