قدَّر تقرير عن «الأمية في الدول العربية» صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» عدد الأميين البالغين، فوق سن الخامسة عشرة، في الدول العربية بنحو 56 مليون شخص، أي بنسبة 34% من فئتهم من سكان الدول العربية، أكثريتهم من النساء، وتحديداً 65%. هذا الرقم مؤسف ومخيف. مؤسف لأن السواد الأعظم من هؤلاء العرب هم مسلمون يدينون بالدين الإسلامي الحنيف الذي حضَّ منذ بزوغ فجره وسطوع نوره على العلم. وجاءت تلك الدعوة في نصوص واضحة في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف وفي الآثار المنقولة عن الصحابة الأجلاء وعلماء الدين والحكماء. مؤسف ألاَّ يفهم العرب هذا الدين الذي يُفضِّل المتعلم ويرفعه درجات عليا ويعطيه تميزاً يستحقه ورفعة جديرة به. مؤسف أن يكون في هذه الأمة نحو 56 مليون أمي. مؤسف أن تفصح الأرقام عن هذا الحال الذي وصلت إليه أمَّة الإسلام بعد أكثر من أربعة عشر قرناً على بداية الرسالة المحمدية التي بدأت بكلمة اقرأ. مؤسف أن تنحدر هذه الأمة إلى هذا الحال فتتفشى فيها الأمية بهذه النسبة العالية التي تشكل تهديداً لمستقبلها. مخيف هذا المستقبل الذي تتجه إليه الدول العربية في هذا العصر الذي يشكل العلم أساس بنائه وبقائه واستمراره. يقول تقرير منظمة اليونسكو: إن نسبة الأمية في الدول العربية تمثل مشكلة خطيرة، وإن الدول العربية بحاجة ليس لبرامج محو أمية الكبار فحسب، ولكن إلى ضرورة إعادة الأطفال إلى المدارس ضمن أساليب تعليم نظامية وغير نظامية، فهناك نحو 7،6 مليون طفل ممن هم في سن التعليم المدرسي غير مقيدين في المدارس منهم 3،4 ملايين من البنات. مخيف هذا المستقبل الذي نتجه إليه بهذه الحصيلة المتدنية من المتعلمين. نحن هنا نتحدث عن أرقام تعكس أعداداً تجسِّد «كمّ» المشكلة، ولا نغوص في عمق هذه المشكلة لأن مشكلة «الكيف» ترسم بعداً أكثر سواداً ومأساوية لحال التعليم ومستوياته وكفاءته وتطوره في الدول العربية. إن هذه الأرقام العالية لمعدلات الأميَّة في الدول العربية تعكس واقعاً خطيراً يهدد مستقبل التنمية ويطرح معضلة كيفية التعامل مع استحقاقات متطلبات العولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد. كيف لهذه الدول العربية أن تستثمر مواردها الاقتصادية المتاحة وتفعِّل قطاعاتها الإنتاجية وتستحوذ على تقنيات الإنتاج الحديثة إذا كان فيها نحو 56 مليون أمي؟ مخيف أن تصاب هذه القاعدة الإنتاجية بهذا اخلل الذي يشل قدرتها على أن تكون بوتقة تنصهر فيها بقية عناصر الإنتاج لتحرك عجلة الإنتاج وتدفع مسيرة التنمية إلى الأمام. مخيف أن نتجاهل هذا الحال المؤسف، وأن يهتم العلماء والمفكرون في الدول العربية بقشور المشاكل التي تواجه الإنسان العربي في حياته دون الدخول إلى قلب المشكلة وبواطن الخلل ومواطن الضرر. مخيف أن نتجاهل دعوة الإسلام إلى العلم وأن تنحدر أمَّة العلم إلى هذا الحال. ومؤسف أن نقف دون أن نتحرك. مؤسف أن تكون أميَّة في أمَّة العلم.
*رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض.