بين الكتابةِ السياسية والرياضية شبهٌ كبيرٌ في عدم الحَيْدة ؛ لا لافتقار رؤيةٍ بل لالتزام موقف، ومن الصعب على من اعتاد تشجيعَ «برشلونة» - مثلا - أن يشجع «ريال مدريد»، كما أن ذا الرؤية «اليسارية» لا يصير «يمينيًّا» ؛ ما يجعل كُتَّابهما ومحلليهما مرتهنين للتنشئة المسبقة المتكئة على ميولٍ وأدلجةٍ ومواقف.
قلةٌ من يراجعون مسيرتَهم أو يغيرون مسارَهم ؛ ليبقى الرأي «السياسي والرياضيُّ» مقروءَيْن في أوساط المؤمنين بالتوجه ذاته، أما الجدل خارج « الصندوق « فجلبةٌ وضوضاءُ وغبار، ومن يتابع برامج الحوار السياسي والرياضي يجدْها دوائر مغلقةً تكرر المعاد وتردد المُعار حتى تفقدَ أهميتها وينفضَّ كثير من السامرين من حولها.
تأخذ أربابَهما نشوةُ الحضور؛ فيوثقَ بعضُهم كتاباته ومراجعاته وزواياه في كتابٍ متداول؛ ما يضعه أمام تأريخٍ غير قابل ٍ للمحو أو حتى التعديل، ولو تأمل لأيقن أن متغيراتِهما سريعة، ومع أن اللعبة فيهما لا تَدين للاعبٍ واحدٍ على المدى؛ فالأهدافُ سجال، وما يتكشفُ من حقائق ووثائق كفيلةٌ بقلب المسار وربما إزاحة الستار عن وجوهٍ متلونةٍ وجيوبٍ متكسبةٍ وبهلواناتٍ تقفز فوق الحبال المتقاطعة والمتقطعة.
وإذ يموجُ الشارع العربيُّ بالصخب فإنّ كثيرًا من الكتابات ستسقطُ مع ذويها ؛ فمادحو الكراسي ومنشدو الأماسي سيواجهون ذواتهم المندفعةَ خلف نظامٍ والمرتزقةَ من آخر بما لا يستطيعون تبريره أو تفسيرَه، وربما بدت ساحاتُ السياسة كملاعب الكرة تدينُ للغالب، وتنسى أن التاريخ لم تُكتب نهايتُه بعد، ولو قرءوا بعقولهم لما احتاجوا إلى نقائض المشاعر الشبيهة بنقائض الشعر، وهي لا تضيفُ سوى الاضطراب العاطفي المتمايل كما الريح.
الكاتب السياسي والرياضي «المستقلان» كالمثقفِ الحر؛ لا يلتزمان بموقفٍ ثابت «معوي» أو»ضدي» مادام لملعبيهما خصيصةُ التبدل، وهما لا يُخضعان منطقيهما للعناوين البارزة التي تتصدر الصفحاتِ المتصلةََ باهتمامهما، وربما وعى بعضُنا - في صباه - إيماءاتٍ تربويةً من داخل منزله أو عبر معلميه بعدم الالتفات للانتماءات «الحزبية» التي تسدُّ منافذ الشمس؛ فلا يستطيع ملتزمُها الرؤيةَ الصافية، وحين يبدل موقعه قليلا فإن الإرث الذي احتمله لا يمنحه إمكانَ اقتعاد كرسيٍّ ناءٍ عن الرفاق.
المالُ قد يصنع شيئًا من التبعية «السياسية» مثلما يفعل الميلُ الكروي، وحين تُبتلى المكتبة والشاشةُ العربيةُ بإفرازات الالتزام السياسي فإن صفحات الرياضة مليئةٌ بمثله، وفي كلا الحالين يسود التحيزُ، ويُذكَى الخلاف «الجماهيريُّ» الذي قد يقودُ إلى تشظي النسيجِ الواحد، ولا حلَّ إلا بتوعية الناشئة وتعويدِهم على حريةَ القرار ومرونةَ الحركة وعدمَ الالتفات للمذهب والطائفة والقبيلة والحزب والزعيم والنادي والخروجَ على قطيع الاستقطاب والاستلاب.
ليس المجال للاستشهاد المحدد، لكنَّ لدينا مَن أعار ذهنَه حتى بدا كمن يدور على نفسه ومفرداته محكومًا بالمحفوظات الإرثية التي مُلَّ إنشادُها، وفي المقابل فإن أمثال «عبد الباري عطوان وأسعد خليل ووئام وهاب» - وهم شخوصٌ جماهيريةٌ لها سُوقُها - يعزفون على «نوتةٍ» مشروخة، وحين كنا نعيب على شاعرٍ عروبيٍّ كبير مثل «عبد الرزاق عبد الواحد» اصطفافَه إلى جانب «الدكتاتور» فقد احترمناه حين لم تدر عقاربُ قصائده للخلف حين انتفت المصلحة المباشرة؛ فارتضى المنفى، وبقي صوتًا نادرًا ضدَّ الاحتلال «القيصري الكسروي» وذيوله.
سيبقى الفكر الإنسانيُّ متحركًا مادام في مكوناته مفكرون مستقلون، وهم قلةٌ ودون جماهير وتأثيرُهم محدود، أما السياسة والرياضة فهما بحاجة إلى خطابٍ تجديديٍّ يقرأُ الحدث مجردًّا؛ لتبقى الأهواءُ الخاصةُ حقًّا لكل متفرجٍ في المدرجات وخلف الشاشة لا أمامها وفوق الورق.
الكلمةُ عدلٌ لا ميل.
Ibrturkia@gmail.com