ذكرتني تلك الفصول الستة في المعهد العلمي في مدينة المجمعة وتلك الردهات الباردة في ساحاته تحت أشجار (الكينة والأثل).. ذكرتني بزملاء دراسة أستذكر فيها بالماضي التليد والينع الذي أثمر نباته.. وليس كل من درسنا معهم محل ذكرى أو تاريخ متميز.. فبعضهم كنبات أصابه وابل فطل؟
هنا.. ومن هذه الذاكرة الجميلة في ردهات المعهد العلمي الجميل.. هامت يدي بالكتابة عن شخص ألمّ فيّ جراح الزمن البعيد وذكرني بطفولة الزمن البريء.. هو ذاته القريب إلى قلبي صدقا ووفاء.. بل الأمر يتجاوز البعد المنطقي في عمق الصداقة الوفية.. في وقت إن الوفاء بات صعبا في هذا الزمن الكئيب؟ هكذا كان عليه من فارقته الدنيا وفارقها بقضاء الله وقدره إنه المحبوب والخلوق (سليمان بن عبد الله السليمان) الذي شيعته المجمعة رحمه الله قبل عدة أيام..
اااااه إنه زمن ليس بسهل أن يتناسى من مثلي أغبرة الوفاء وليله الدامس وشح الوقت.. ليداهم الفراغ براءة من مثلنا في ساحات المعهد العلمي الجميل.. بين ردهات الطنين وفسح الوقت.. لا جوال يشغلنا ولا بيجر أو خلافه..
كانت أيامنا حلوة الجمال.. تميز فيها صاحب الأخلاق الفاضلة أبو عبدالله.. هو ذاته السمحة التي تعودنا منه السماحة والخلق.. لم يغب عنا ولا عن أحاسيسنا الجميلة.. لسانه عفيف.. حريص على أداء الفرائض في وقتها.. دمث مبتسم وممازح.. لكنه لا يتعرض لسانه على أحد.. مهما حد الخلاف عنه.. جمعتني به مراحل السنة الدراسية في معهدنا الجميل.. تكاد لا تشعر بوجوده في الفصل رغم المشاغبة منا إبان الشرح أو خلافه.. هادئ الطباع.. سلوكه جميل..
بالأمس شيعت المجمعة على حين غرة من الفجأة الوفي والصديق سليمان بن عبد الله بن محمد السليمان رحمه الله.. ابن ذلك الشيخ الوقور الشيخ عبد الله.. رجل المهمات الصعبة في الحج الأكبر.. الشيخ أبو محمد كان أمير الحجاج في عصره.. قوي وشديد ويهابه الناس.. صاحب إيمان وتقى.. من هنا أنجب أبناء متميزين في الخلق والأدب..
سليمان.. رحمك الله رحمة واسعة وأسبغ عليك شآبيب الرحمة ووسع الله مدخلك.. وعوضك الله في الجنة مع الصديقين والصالحين..
بكت نبضات القلب عليك.. والحمد لله على قضائه وقدره.. لا أدري هل أتذكر جميل خلقك.. أم أتذكر محاسنك الجميلة..
كان رحمه الله يتصل بي نهاية كل أسبوع ينسق لطلعة بريّة نستشم الهواء بعيدا عن الضوضاء.. فيكون في موعده المحدد ظهرية كل خميس ولا يقبل إلا أن يحضّر الغداء الذي أعدته أم زياد السيف أخته الكبرى والأم الحنون في حافظة صغيرة ولوازمها وشاي في ترمس متميز له طابعه الخاص.. هذه الرحلات لها من الأجواء الجميلة والبعد بالتفكير واسترخاء الذهن ما الله به عليم.. وما ألذ الأكلة حينما تأتي بنفس رطبة..
رحمك الله أيها الصديق الوفي سليمان فقد ذكرني الأخ العزيز أحمد الحمد العسكر( العمدة) في خلقه وتميزه.. ذكرني بك في الفصل وذكرني بك في النادي وأنت اللاعب المتمتع بالأخلاق الفاضلة.. وأثنى عليك بكل صفات الأخلاق..
سليمان أعزي فيك نفسي التي آلمها فراقك.. ولكني مؤمن بأن الله يحبك من محبة الناس لك.. سليمان أمين على كل أمانة تعطى إياه.. يثق في الناس.. كريم الطباع.. لسانه عفيف..
له من الأخوة محمد مدير بنك الرياض سابقا والشيخ الزاهد عثمان الموظف في المكتبة العامة.. تميزا بالأخلاق والسلم مع الناس.. لم نسمع عنهما سوءاً.. فعظم الله أجركما.. وله رحمه الله من الأخوات (أم زياد) حرم أستأذنا ومعلمنا عبدالعزيز السيف جعل قلبه وقلب أم زياد الدفء الحنون لسليمان فهما المناص الدائم له.. فشكرا أم زياد على هذا القلب المشبع بلطف الأخلاق عظم الله أجرك وألهمك الصبر والسلوان إنا الله وإنا إليه راجعون.. ولأبي زياد قبعة أرفعها احتراما ووفاء له لما يحمله من خصال حميدة تجاه سليمان رحمه الله.. والعزاء لأم هيثم وأخواتها أم سليمان وأم عبدالكريم وأبناء عمومته وخيلانه من آل سليمان صاحبة التاريخ في الدين والأخلاق.. والعزاء هنا لصديقه الوفي محمد الهاجري.. فعظم الله أجرك أخ محمد وصبّرك الله على فراق الحبيب فأنت الهاجري الأصيل دمت وفيا.. وعزائي إلى ابن أخته زياد السيف صاحب الأخلاق الرزينة والأدب الجمّ وأخواته الكريمات فهم نعم البذرة الصالحة..
رسالتي إلى الأخ محمد السليمان شقيقه الأكبر بأن يضع بصمة خير لأخيه سليمان والبصمات عديدة.. أنت أهل لها.. فقد وفيت مع أخيك وأصبحت الأب الوفي والحنون.. فالحمد الله على قضائه وقدره.. وكنت سأكتب المزيد عن هذا الحبيب المحب.. لولا إنني استأثرت الوقت على غيري.. تغمده الله بواسع الرحمة وأسكنه مع الصديقين والصالحين.. أمين.. والحمد الله رب العالمين..
(*) إعلامي
ahmed-alrokban@hotmail.com