على الرغم من اختلاف وجهات النظر وردود الأفعال حول تعديل بعض مواد نظام المطبوعات والنشر، إلا أن الكثير استبشر بأن تضع تلك التعديلات حداً للعراك الإعلامي والتطاحن بين فئتين من المجتمع السعودي المسلم الواحد، فريق يتهم خصمه بأنه (تيار ليبرالي أو علماني)، والآخر يتهم خصمه بأنه (تيار متشدد أو ظلامي)، على الرغم أن هذا التقسيم (مفترض) وليس له وجود على أرض الواقع في مجتمع مسلم يقيم على أرض منبع الرسالة ومهد الحضارة الإسلامية. وأن يضع حداً للعراك على ساحة الإعلام حول موضوعات مفتعلة تحولت بسبب هذا التراشق الإعلامي إلى قضايا وطنية مثل قضية (المرأة) التي استنزفت حيزاً مهماً على حساب قضايا وطنية وتنموية مهمة. والتصدي، أيضاً، للمزايدة على الوطنية، وإثارة النعرات، وإشاعة مسببات الفرقة.
هذه الأهداف العظيمة التي قصدها الأمر الملكي الكريم تصب في صالح الوطن والجماعة لا شك، إلا أن الصيغة القانونية لبعض المواد المعدلة قد تثير إشكالات عند التطبيق، أو تثير لبسا لدى غير المختصين قد تتسبب في عزوف الكتاب عن التطرق لقضايا الشأن العام خشية التعرض للعقوبات التي ينص عليها النظام، وقد تتعارض تلك التعديلات مع أنظمة قائمة. ومن الملاحظات (القانونية) على تلك التعديلات ما يلي:
أولا: تضمن التعديل إنشاء لجنتين شبه قضائيتن، الأولى: ابتدائية، والثانية: استئنافية، للنظر في مخالفات هذا النظام، وهذا أمر جيد حيث حسم مسألة التنازع حول الاختصاص في قضايا النشر بشأن ما تنشره الصحف من أخبار وتحقيقات ولا مشكلة في ذلك. لكن ماذا عن مقالات الكتاب التي تعتبر مصنفات فكرية وفقاً للمادة (الثانية) من نظام حقوق المؤلف، فهي تخضع لاختصاص اللجنة شبه القضائية المشكلة في وزارة الثقافة والإعلام للنظر في قضايا حقوق التأليف. فاللجنة ينعقد لها الاختصاص بموجب نظام سار لم يرد في التعديلات ما ينص على إلغاء اختصاصها ونقله إلى اللجنة المشكلة بموجب هذا التعديل.
ثانياً: تضمن التعديل تطبيق النظام على من يتعرض أو يمس سمعة أو كرامة «الشخصيات الاعتبارية». والشخصيات الاعتبارية هنا هي من يعترف لهـــا النظـــام باكتساب أهليــة الوجـــوب والأداء من غير الأشخاص الطبيعييــــــن مثل: الــوزارات، والهيئـــــات، والشركات، والمؤسسات. والحقيقة رغم (شطحات) بعض الكتاب والمؤسسات الصحفية عند نقد أداء تلك (الشخصيات الاعتبارية) إلا أن أغلب المؤسسات الإعلامية والكتاب أدوا دوراً مهماً في تسليط الضوء على أوجه الخلل في أدائها، وتقديم المقترحات البناءة لتحسين الخدمات التي تقدمها للمواطنين رغم امتعاض بعض القياديين في تلك المؤسسات من النقد واتهامهم المستمر لوسائل الإعلام بعدم تحري الدقة عند التعرض للمؤسسات التي يديرونها. وحيث كرس الأمر الملكي الكريم حق النقد البناء، فنتمنى أن لا يتقلص دور المؤسسات الإعلامية والكتاب في هذا المجال، والاستمرار في النقد الموضوعي وهذا ما يحتاجه ولي الأمر، وجميع المصلحون في هذا البلد.
ثانياً: تضمن التعديل تطبيق العقوبات على من يضر بالشأن العام للبلاد. وهذا النص عام، وكان الأفضل إيراد أمثلة في النص لأوجه الإضرار بالشأن العام للقياس عليها وتضييق الاجتهادات في تفسير النص. وعلى الرغم أن اللائحة التنفيذية لأي نظام يجب أن لا تتضمن مسائل موضوعية حتى لا تتحول إلى نظام مواز، إلا أنه أمام ذلك فقد يكون من المستحسن تضمين اللائحة أمثلة لما يضر في الشأن العام ولو كان ذلك خروجاً على القواعد التشريعية والتنظيمية المألوفة.
ختاماً نسأل الله أن تؤدي تلك التعديلات ثمارها في حفظ مقومات بلدنا المعطاء، والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره.
malshmeri@hotmail.com