احتج أحد القراء على افتتاح مقالة سابقة لي بقصة «باندورا» لأن اسم باندورا ليس من التاريخ «الإسلامي». مذكرا إياي والقراء الآخرين أن في تاريخنا الإسلامي ما هو «أحق بالذكر» من اليوناني والأسباني.. وكأن معرفتنا بتاريخ أو مثيولوجيا أو أدب أو تفاصيل أي عصر غير تاريخنا الإسلامي سيضرنا وينخر في إيماننا.
فكرت في البدء أنه ربما نسي أن المزيد من العلم والمعرفة بأي لغة أو معلومة هو سلاح في يدنا وليس في يد غيرنا. ثم شككت أنه ربما هو يفضل أن نظل في سياج تاريخنا ومأثوراتنا الخاصة لأنها ما يستطيع أن يناقش فيه ويعلق عليه, ومتى ما خرجنا منها جرفه سيل المعلومات وذاكرة الحضارة الإنسانية الهائل فلا يستطيع أن يستلذ بالتعليق والتصفيق واللهو في الماء مرتاحا إلى تفوقه وثباته؛ ولذلك ربما هو يحتج دفاعا عن موقع النفس واطمئنانها إلى تفوقها.
و علق قارئ آخر متندرا على باندورا بأنها الطماطم وأومأ أنه من السطحية أن لا نجد ما نكتب عنه فننحدر إلى الطماطم !! وضحكت معه فعلا ليس على سطحية الموضوع كما ظن - والأغلب أنه لم يقرأ منه إلا المقدمة- وإنما على خطأ التعليق المبني على هذا المعنى المقارب لفظيا فقط. بندورة فعلا جاءت لغتنا العربية الشعبية مستقاة من «بوميدورو « كلمة إيطالية تعني حرفيا «الثمرة الذهبية» والبندورة أم الطماطم تستخدم كثيرا في السلطات الطازجة وفي الطبخ.. ولكن «باندورا» في المقالة والميثيولوجيا كلمة لاتينية من مقطعين «بان» أي «كل أو جميع « ودورا بمعنى آلام جمعا في كلمة بمعني «كل الآلام». فصندوق باندورا الذي فتحته متطفلة هو رمز لآلام البشر التي متى ما انطلقت لا تعود إلى مكمنها كما هو الحال في مرض الإيدز مثلا.
آخر المتابعين المصرين على تعليقات السخط ذكرني ببطل محزن تعرفت عليه طفلة هو بطل رواية لسرفانتس الكاتب الأسباني الناقد الهزلي. «دون كيخوت» رجل فقد تواصله مع الحقيقة, يعيش في أوهامه وتهيؤاته ورغبته المكبوتة أن يراه الناس فارساً مغواراً ومنقذاً للقيم والمثاليات والمغلوبين على أمرهم. مأساته أنه ملتبس لا يميز الحقائق من التهيؤات, يتخيل أنه بطل يحارب الأعداء الأشداء مبرهنا على شجاعة فروسيته وهو يمتطي حماراً هزيلاً مسلحاً بجريدة نخل فهو شخصية تستحق الرثاء رغم أنه يثير ضحك السخرية بتصرفاته العجيبة.
و مع هذا فالأمر ليس بذلك الوضوح والسهولة فقد تصبح الغيرة من احترام الناس للكاتب دافع أفعال سلبية عند بعضهم وكأن تشويهه سيبني سمعتهم !! وعندها يمسي الأمر مهزلة فعلية حيث بعضهم يلتصق بكل ما تكتب بصورة سلبية وكأنه يأمل دون وعي بأن وجوده في فلكك سيلقي بعض ضوئك عليه فيراه الآخرون ماسا يلتمع بينما الحقيقة أن وجوده في فلكك مثل فحم أسود ودخان يلوث من يقرب منه غير عارف فعله.
هل وجدت نفسك يوما تشعر برغبة شديدة في مطاردة عابر مجهول شاركك دربا ما دون أن تحس به إلا حين قرر بلا سبب أن يلوث سمعك بكلمة سباب أو يلوث ملابسك برميك بدنس؟ وتود بطفولية مباشرة أن تعاقبه وتؤدبه؟
الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية ولو قلت ما لا يختلف معك أحد فيه فالغالب أنك لم تقل شيئا مهما ولا أضفت إلى المعرفة جديداً. ولكن الإشكالية هي حين يلتبس الاختلاف بالسماح للنفس بقلة الأدب مع ذي الرأي المختلف الذي لا يعجبك.
**
يقول شكسبير: الوردة تحت أي مسمى تظل فواحة العطر.
و أقول : الشوكة تحت أي اسم تظل شوكة ولن تتحول إلى وردة.
ابعدوا مثلي عن شجيرات الشوك بكل أسمائها. والشوكة الصحراوية الجافة المغبرة مصدر تلوث قد يتصاعد إلى تسمم مؤلم.
و لنتذكر فقط أن للمطر في لغتنا العربية مئات الأسماء وكلها تأتي بالماء الطهور.