كانت «الشمس» تميل نحو الأفول لمكمن غيابها, فخبأ سناء ضوئها في طي الأفق البعيد ما بينه وبين البحر، فانحسرت الرؤية، إلا أن ثمة إشعاعاً ضئيلاً تبدو ذيول خيوطه بالكاد إيضاح مفاعل جاذبية ما بين الأفق والبحر.. الأمر الذي زاد من نسبة الجاذبية في معدلها المرئي «للبحر» بخفوت «الشمس» وغياب ثلاثة أرباعها في السديم, بينما الربع الأخير يرسل إشعاعه الخافت الموحي برحيله على استحياء مودعاً الكون في دورة فلكية دائمة ليوم جديد.. وفي مغيب «شمس» أقبل الليل مخاتلاً، بظلامه الحالك السواد، وكأنه النذير بمقدمه البهيم, والقائل إن وجهي لن يسفر تماماً قبل منتصف الشهر كبدر منير, فالليالي تزيّنها الأقمار- مثلما قال الفنان الراحل - ناظم الغزالي. ولكن! أين منا الحوار على ضفاف الخليج؟! وهو الحوار المؤلم الذي لا يستسيغه المواطن الخليجي ولا تركن إليه نفسه. حينما يكون الحوار يخلو من عناصر الطمأنينة والدعة والراحة، حيال مشكلة فارسية مؤرّقة, من قبل الدولة الفارسية, الشاحنة لأجواء التوتر والترقب عن كل ما يصدر من تصريحات وتهديدات وتدخلات جائرة ظالمة بنزعة طائفية راكبة خيلاءها جموحاً وجنوحاً, فما مسألة الطائفية إلا تدليس سياسي متوحش متشح بقناع. الأمر الذي كشف زيف القناع، وبدأت رؤوس الملالية الفارسية حاسرة سافرة, فبانت سوءات المآرب الخسيسة الدسيسة, من التهويل والعويل على الشأن الطائفي, في مبتغى تسييسه عند حكام طهران! فكان ذلك محور حوار دار على ضفاف الخليج، الخليج العربي. رغم أنف القائل الخليج الفارسي, الأمر الذي حدا بحكام طهران منع كلمة - الخليج العربي, عند إذاعتها على الرحلات الجوية القادمة منها وإليها..ياللسخف!
لم يكن الحوار مع شلة من الصحب من المثقفين ممتداً كامتداد الأفق البعيد، كان قصيراً للغاية غزيراً بالمعلومة، كاجتهاد شخصي في تحليل الشأن الخليجي على المستوى المرئي والمسموع كالمتداول بين الناس, ناس الخليج العربي, فكنا نجلس على ضفاف شاطئ الشارقة الذي هو شاطئ خليجي، إماراتي, والذي لا يبعد عن جزيرة (أبو موسى) أكثر من ستين كيلو متراً، والتي هي بالطبع جزر إماراتية استحلها الفرس عنوة، فتبدو أنوار الجزر قريبة من الرائي, فمد أحد الصحب يده قائلاً: بإمكانكم رؤية الجزر, فتنتقل الإبصار ما بين الجزر الإماراتية، العاثرة بالقبضة، الفارسية عنوة, وما بين البحر الهادر, بمياهه المرتطمة بالصخور، ومراكبه وسفنه وبواخره العملاقة التي تمخر عباب البحر بين جيئة وذهاباً, حركة بحرية لافتة، وأضواء مترامية على الشاطئ الممتد, تزيّنه بلدان خليجية، متوثبة بعنفوان تنمية زاهرة، ومواكبة لحاضر متطلع لمستقبل أكثر إشراقاً وبهاءً من أجل شعوبها، وكأن هذه المدن الخليجية المتناثرة على شاطئ الخليج العربية كعرائس فارهات الجمال في عجلة من أمرهن, يتسابقن بمن تكن الأولى كملكة لمدينة خليجية. فيما يشيد من بنى أساسية عملاقة, وصروحاً علمية وفكرية من جامعات ومؤسسات خدماتية فاعلة ومراكز علمية وبحثية, نحو نهضة تنموية مطردة.. ينتشي بها المواطن الخليجي زهواً، وهو الزهو البادي على محيَّا الجميع عبر حديث ممتع, كان منه إجماع الكل على أن أفضل و أجمل شيء هي وحدة وتماسك دولهم الخليجية الست. وهذا ينم عن حكمة حكمائه وحكامه ورؤاهم الثاقبة وتصرفهم بالوقت المناسب، والذي هو التصرّف المحمود في درء شرور كثيرة عن أوطانهم وشعوبهم.. فمملكة البحرين, نموذجاً في إنقاذها بالتدخل السريع «لدرع الجزيرة» من مغبة المشكلة المثيرة التي كادت تعصف بالبحرين من التدخل الصفوي السافر بشؤونه، وقد وقفت دول الخليج كالطود الشامخ بوجه الإعصار الفارسي الغاشم, فكانت رسالة قوية لحكام طهران, بأن أي تعد على دولة خليجية خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها بأية حال وتحت أي ذريعة, بغية الوصول لهدف سياسي يضر بأن الخليج العربي!
كان حديث الصحب جميلاً وصافياً رغم قصره. إلا أنه ينم عن وعي ثقافي خليجي مستنير مدرك لما يدور في الساحة الخليجية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومع هذا كله فإن أواصر المحبة وعرى الثقة معقودة بنواصي مجلس التعاون الخليجي الذي هو من الكل للكل لأمة خليجية واحدة متوحّدة!
bushait.m.h.l@hotmail.com