استيقظ العالم على إعلان الولايات المتحدة الأمريكية خبر تصفية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بعد عشر سنوات ملاحقة في أقبية باكستان وتضاريس أفغانستان، من خلال وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الأمريكي
التي نجحت في تعقب ساعي بريد بن لادن لمدة أربع سنوات، حتى توصلت إلى مقر إقامته في بلدة قريبة من إسلام أباد.وقد قوبل الخبر بارتياح كبير على مستوى دول العالم بحكم أعداد الأبرياء، الذين سقطوا بفعل الأعمال الإرهابية التي ارتكبها تنظيم القاعدة بتوجيه وقيادة وتمويل بن لادن، والتي لم تستثن الدول الإسلامية، ولم تراع الدماء المسلمة في حربه المعلنة ضد الغرب، بل لم يتورع هذا التنظيم التكفيري عن مباركة الأعمال الإرهابية والتفجيرات الدامية التي وقعت في المملكة بلد الحرمين ومهد الإسلام على يد تنظيم قاعدة شبه الجزيرة تحت ذرائع واهية وشعارات زائفة لا يقبلها عقل مسلم.
لقد كان ابن لادن قلق الشعوب الحرة، وخبر العالم المتجدد، ومادة الإعلام الدائمة، والمطلوب رقم واحد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لذلك كانت حياته استثنائية بشكل كبير، وبالذات سنواته الأخيرة لدرجة أنها تغلفت بالأسرار في طبيعة معيشته وطريقة تنقلاته، بما يشابه أسرار الحركات الباطنية في تاريخنا الإسلامي، ما جعل الناس يفترضون موت بن لادن وفق روايات مختلفة، خاصة ً بعد انقطاع رسائله الصوتية. من هنا فإن أي خروج عن خط الاستثناء لحياة بن لادن سيحدث وقعاً عالمياً كبيراً، فما بالك بواقعة قتله كما في الإعلان الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس باراك أوباما، وأكده تنظيم القاعدة نفسه. لكن هذا الإعلان حمل الغرابة في مسألتين، الأولى ما يتعلق بحقائق واقعة التصفية، والأخرى سرعة مجريات أحداثها، فرغم أن الرواية الأمريكية الرسمية كشفت كامل تفاصيل عملية قتل بن لادن بالصور التي أظهرت مكان إقامته من الداخل، إلا أنها لم تتضمن ولو صورة واحدة للقتيل، بل منعت الإدارة الأمريكية ذلك بحجة أنها قد تساعد على التحريض والكراهية ضد الأمريكيين، أو أنها تثير موجة غضب في العالم الإسلامي، وهذا منطق غريب فإن كان خبر مقتله لم يثر هذه الموجة فلن تثره صورة، خصوصاً أن أمريكا كانت ولا زالت تؤكد أن شعوب العالم بما فيه الإسلامي يتفقون معها في حربها ضد الإرهاب العالمي الذي تمثله القاعدة. كما أن الإدارة الأمريكية نشرت صور شخصيات وقيادات قتلتها بحجم بن لادن كالزرقاوي وصدام حسين.
أما بشأن سرعة مجريات الأحداث اللاحقة لعملية التصفية فهي لا تقل غرابة عن عدم نشر صور بن لادن مقتولاً، فلماذا لم يُعتقل بدل تصفيته؟ وقد كانت الفرصة مهيأة تماماً لذلك. ألا يشكل اعتقال بن لادن نصراً أكبر من قتله؟ ألا يشكل اعتقاله مصدراً للمعلومات التي تسهم بشكل كبير في الحرب على الإرهاب وإنهاء تنظيم القاعدة؟ أم أن بقاء بن لادن حياً، ومن ثم التحقيق معه، ومحاكمته أمام العالم سيفتح أبواباً ويكشف أسراراً لا تريد أمريكا فتحها أو كشفها لتعارضها مع سياساتها وأعمالها الجارية في أفغانستان والعراق، كما تفضح حقيقة تصاريحها السابقة، فضلاً عن كشف طبيعة العلاقة بين أمريكا وبن لادن أيام حرب السوفيت أو ما يسمى بالجهاد الأفغاني.ثم ما السر في سرعة التخلص من جثمان بن لادن؟ ولماذا دفن في البحر؟ وكيف أيقنت الولايات المتحدة أنه لا يوجد دولة تقبل بدفن جثمانه على أراضيها؟ ولماذا لم تسلمه لأهله كما حدث مع غيره؟ هذه الأسئلة التي لا تحمل إجابات منطقية خلافاً لتلك التبريرات الهزيلة التي صرحت بها الإدارة الأمريكية، هي ما يعزز النظرة السلبية للإدارة الأمريكية في العالم الإسلامي، كما تجعل موت بن لادن لغزاً، وتحيله بطلاً لدى بعض.
Kanaan999@hotmail.com