من القواعد الأساس في منهج التربية الإسلامية, أن يتعهد المرء نفسه بالتهذيب, والتشذيب, بعد أن يكون قد عُلِّم، ووعى، ولا يتوانى أبداً عن مجاهدتها جهاد المحارب في ساحة المعركة، وقد بدئ الجهاد مع النفس منذ العهد الأول للإسلام، لمحاربة بقايا الجاهلية فيها، ولم ينته بمكابدتها لوساوس الشيطان ما دامت الحياة، هذا الشيطان الذي تحدى ربه فلم يسجد لأمره، وتوعد بأن يجلس للإنسان في كل طريق، وعند كل فكرة، وحيثما يكون، يخالطه في أكله، وشربه، ولباسه، وغرائزه، إلا من أشهر له قوة إيمانه وجاهده بها.., ووفقه الله تعالى، بالعصمة أو التوبة...
وقد عرف المؤمن هذا النهج ونهَجَه, وهو في العصر الذهبي للإسلام، حين كان على كل فرد أن يتعلم أصول دينه، وعقيدته, وفقه عبادته، ويتعرف غاياته, ومقاصده، ويحيط بدقيقه وجلِّه، ويشغل بالطاعات، ويتجنب المفسدات، حين لم تكن الدنيا على ما فيها من كل هذه المغريات، ولم يكن يواجه المسلم حرباً قاسية مخططة مدروسة, وذات وسائل كثيرة منافذها، عديدة أسلحتها ضد إسلاميته، بمثل ما هي عليه اليوم، ولأن الآن كل أمر دنيوي يحتاج المسلم معه لجهاد دائم متواصل مع نفسه، فإن السؤال هو: كيف تبذر العقيدة في النفوس كما تزرع النبتة..؟ وكيف تروَّى في الصدور كما تروى الشجرة..؟
استمعت للأستاذ الدكتور «إبراهيم الحمائمي» عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر, وهو يتحدث في برنامجه «الصراط المستقيم».., عن (خطب الجمع) التي تتناول موضوعات لا تتناسب وحاجة المسلمين لتعلم أصول دينهم وعبادتهم، ممن يجتمعون على سماعها وإن هي في حاجة دنياهم, وكان يمكن أن تتناول ما يتعلمون فيه غايات عبادتهم كالصلاة على سبيل التمثيل، ليؤدوها تامة في أركانها وواجباتها، اقتداء بما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين يتحدث عن الصلاة فينزل من المنبر ليريهم كيف تتم أركانها على الوجه الصحيح.., ثم يجعل من المسجد مدرسة لعلوم العقيدة والعبادة... بينما خطباء المساجد لا يفقهون الناس في دينهم، وإن يتناولوا من مواضيع القيم والسلوك العامة، غير أنها بعيدة عن لب ما يحتاج إليه مسلم اليوم. ذلك لأن المسجد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان مدرسة تأسيس.. وينبغي أن يكون كذلك اليوم.
وقد وجدت في حديثه غاية ما يحتاج إليه المسجد في البلدان المسلمة قاطبة في وقتنا الراهن، فالموضوعات العامة التي تتناولها خطب الجُمع، أو المحاضرات العامة بعد الصلاة, عدا الدروس المقننة في المساجد إن تكن ذات أهمية، وسبيلا للتعلم والتعليم، إلا أن تأسيس المسلم المتقن التقي جوفا, أكثر أهمية من أن يلم من دينه من كل أمر بطرف..
يقودنا هذا الأمر لأن نتذكر جميعنا الحال التي نشاهدها في المساجد, وتحديدا في المسجدين الرئيسين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، من أخطاء كبيرة للمصلين والمصليات في كيفية السجود والركوع، بل الاقتداء بالإمام، واستكمال الركعات الفائتة عند الدخول في الصلاة بعد بدء الإمام بركعة أو أخرى، ثم إن التمعن في تعامل الشباب تحديدا وصغار الناشئة مع أمور عقيدتهم، في غاياتها العقدية أو أداءاتها التعبدية, ينبئ بقوة الحاجة الماسة لأن ينهض المسلمون بالتصويب والتعليم والعناية بالنشء، وتدريبهم يعبدون ربهم على الوجه الصحيح، وكيف يتفقهون في دينهم.. لتكوين حصانة إيمانية تؤسس في نفوسهم، ومن ثم تكون عصا الجهاد مع هذه النفوس لمقاومة شيطانها، وتلافي ريح غرور دنياهم وعبثها.
ربما هذا التطوير الأنجع للذات المسلمة، وهو أكثر مساسا بحاجتها من كثير من الحلول التي تقدمها مراكز العلاج النفسي والإرشاد الاجتماعي التي انتشرت دورات التدريب في علومها، ومن ثم كثر عدد المدربين والمعالجين فيها، وتهافت الناس عليها.., بينما الأصوب الأنجع تعليم الناس وتدريبهن أن يحسنوا عبادتهم، ويتقنوا السبيل لغاياتها العقدية.. ذلك هو الحل، وتلك هي المعالجة.