ليست المرة الأولى التي أكتب عن الابتعاث فبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وقد تجاوز عدد مبعوثيه مائة ألف مبتعث يمثل مشروعاً رائداً يستحق التقدير والمؤازرة، لكن سؤالي المتكرر هو عن الهدف من برنامج الابتعاث؟
سؤال يبدو سطحياً، فالإجابة عليه هي أننا نريد تأهيل أبنائنا وفق أعلى المستويات في أرقى الجامعات للعودة لخدمة وطنهم بكفاءة وجدارة. هذا الهدف العام لكنني وبنظرة عامة أرى أن الابتعاث يحصر أهدافه في الحصول على الشهادة في التخصصات التي يعتقد بحاجتنا إلى مزيد من خريجيها. نفس التفكير الذي نتبناه في تعليمنا العالي المحلي وهو تخريج أعداد تسد الوظائف الشاغرة بأسرع ما يمكن بغض النظرة عن النوعية، وكأننا نكرر تجربتنا في التعليم. كان لدينا نقص شديد في إعداد المعلمين وقررنا سد ذلك النقص بأسرع ما يمكن. فتحنا عشرات الكليات دون مقومات علمية عالية فخرجنا الآلاف ثم عدنا نشتكي زيادة المخرجات وتواضع مستوياتها. لم نتعلم من تجربة كليات المعلمين وكليات التربية التي تضيف العبء الكبير على وطننا بالإسهام في تخريج معلمين متواضعة مستوياتهم يقودون عملية التأسيس للأجيال القادمة. لازلنا نقيس تعليمنا بحجم ما يصرف عليه وحجم مخرجاته الكمية وليس بحجم مخرجاته النوعية.
تشتكي وزارة التربية وتعلنها بشكل دائم بأن هناك خللاً كبيرا في مستويات وأداء المعلمين هي عاجزة عن حله، أمام تزايد احتياجها ومحدودية اختياراتها في خريجي برامج أكاديمية متواضعة، لكنها لم تستطع وضع أصبعها على الحل لأنها جهة معنية بالتعليم الأساسي وليس بتخريج المعلمين. بكل تأكيد وزارة التربية والتعليم معاناتها تكمن في النوعية ثم النوعية ثم النوعية. تعليمنا الأساسي لن يتطور طالما أصبح يدور في دائرة مغلقة في تأهيل المعلمين مابين وزارة التربية وكليات المعلمين وكليات التربية المحلية.
من هنا يأتي السؤال لماذا لا يحتوي برنامج الابتعاث على ابتعاث أبنائنا وبناتنا المتميزين لدراسة التخصصات التربوية في الدول المتقدمة؟ ببساطة لأن البرنامج يحصر هدفه في الحصول على شهادات في تخصصات تقل نسبة السعوديين العاملين فيها ويفتقد العمق الفلسفي في التطوير الشامل النوعي والثقافي لمستقبل بلادنا. أجده مقبولاً الاستعانة بمهندسين وأطباء من الخارج في جوانب تقنية لكنه يصعب تقبلنا استقدام معملين من الدول المتقدمة في التعليم الأساسي. من هنا أناشد بإعادة النظر في التخصصات المشمولة بالابتعاث وتحديداً أطالب بشدة بإعادة النظر في الابتعاث للتخصصات التربوية .
أقترح أن تتولى وزارة التربية اختيار أفضل مائة طالب وطالبة بكل منطقة كل عام من خريجي المرحلة الثانوية ليتم ابتعاثهم إلى أمريكا وبريطانيا واليابان وكندا وغيرها من الدول المتقدمة لدراسة مهن التعليم والتدريس والتربية ومن ثم العودة لخدمة مناطقهم. أطالب بجعل ذلك ضمن برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم ليكن لدينا خطة تهدف إلى تطعيم التعليم بما لا يقل عن ستين ألف معلم حصلوا على تأهيلهم في كليات تربوية متقدمة عالمياً خلال عشر سنوات. مع تأكيدي على التأهيل لمرحلة البكالوريوس وليس الدراسات العليا حيث يتشرب المتعلم طرق التدريس والتعليم الحديثة لا أن يذهب لعمل بحث أو استبيان دون أن يتعلم ويمارس العملية التربوية وفق أصولها المتقدمة ويعود للعمل الإداري أو الأكاديمي. يجب أن لا يعيقنا وجود فائض من خريجي كليات المعلمين فالعمل التأسيسي لفكر علمي مستقبلي يجب أن يقفز على الضغوطات الاجتماعية في هذا الشأن.
في مقال قادم نكتب عن فلسفة أخرى نقترحها لبرنامج الابتعاث.
malkhazim@hotmail.com