خمسون «سيدة حساوية» معظمهن تجاوزت أعمارهن «السبعين عاماً» من مختلف قرى وهجر الأحساء.. جمعهن حُلم واحد؟!
وهدف واحد.. هو دخول «موسوعة غينتس للأرقام القياسية»!!
من أجل تطريز أسمائهن «كسعوديات» عليها بصنع أكبر سلة خوص بالعالم من «جريد النخل»!
وتحطيم الرقم السابق المُسجل باسم فتيات رومانيا!!
إنها إرادة المرأة...
ومتى ما أرادت المرأة «التحطيم».. فلن يقف في وجهها «شيء «!!
حتى لو كان رقماً قياسياً سجلته الموسوعة العالمية!!
إذا هي المرأة «الحساوية» يا سيد «غينتس»!!
لا أزال أذكر «حالهن» في القرية التراثية فالفكرة من جمعية «فتاة الإحساء» والتنفيذ بأيدي نساء «الأسر المنتجة» تلك الأسر التي تسعى لسد حاجتها بصنع أيديها.. لا بتوسل أو التسول!! لتتحول من اسر فقيرة تطلب العون والمساعدة الى اسر منتجة فاعلة في المجتمع.
والفرق مابين تعلم سد الحاجة و تعلم التسول.. كالفرق بين العلم والجهل!!
فما أجمل أن تحلم من هي في السبعين والستين من العمر منهن لتُخرج الإبداع من «رحم الحاجة والعوز» وتدخل في منافسه جديدة مع ذاتها لتحقيق حُلمها...
تبدوا الحياة حينها متجددة بالفعل!
يعني «أمهاتنا الحساويات»... «ما راح» تأكل معهن «الرومانيات» عيش أبد!!
نمسك الخشب ما شاء الله تبارك الله!
وعلى فكرة من لم يزر «الأحساء» ويُعايش أهلها... فقد فاته من التعرف على طيبة «الإنسان السعودي» وتسامحه الشيء الكثير.. فأهل «الإحساء» يجبرونك على حبهم وعشق ترابهم «بسليقتهم البريئة» وحسن معشرهم
أعود لسلة الخوص العملاقة حُلم هؤلاء النسوة... اللاتي واصلن العمل لـ 12 ساعة في اليوم من «السادسة صباحاً» حتى «السادسة مساءً» يسابقن الزمن وبسواعدهن «المخيط «و»الجريد» و»الحبال المفتولة»...
تشاهد يد «المرأة المسنة» وقد ترك الزمن آثاره عليها ولكنها تجتهد وتعمل بإتقان «لتحقيق الحُلم» وكأنها يد فتاة يافعة نشيطه!!
ولم تغب عن ذهني أبدا تلك «المُسنه» التي كنا نتابع دقة عملها بالكاميرا وهي تلتفت نحوي وتقول باللهجة الحساوية الصرفة «الله يهداك يا ولدي.. أستريح هنيه.. قعدوا.. أشرب لك جغم ماي أنت وربعك.. تعبتوا وأنتوا تعكسوني..» ونسيت أنها تعمل أكثر منا بجهد وبلا كلل ولا ملل طوال «خمسين يوماً»!
مما يجعلك تتساءل من بث الروح والعزيمة في أجساد هؤلاء النسوة من جديد؟ وهن في هذا العمر!! وما السر في ذلك؟
لقد كان عملاً مُضنياً وتحدياً كبيراً كما قالت لي رئيسة جمعية فتاة الإحساء الخيرية «الأستاذة لطيفة العفالق «فالكثير من «كبيرات السن» لا يعرفن «غينتس» أصلا ولم يسمعن به من قبل!! فما لذي حدث؟
أن مسئولات الجمعية هن من أحدثن التغير في «نفوس» النساء وعكفن على إقناع هذه الأسر بأهمية المشاركة في الحدث.. وأن ذلك يأتي حفاظاً على هوية المنطقة التي «أحبوها» باعتبارها أكبر «واحة نخيل بالعالم».
وأنه يجب ألا تندثر هذه المهن النسائية العتيقة...
وبالفعل باتت السلة حقيقة!! صنعتها في الموعد المحدد أنامل تجعد جلدها.
وصلنا مع لجنة تحكيم «غينتس» لرفع الأطوال وتسجيل الرقم السعودي الجديد في «الموسوعة العالمية» وتم ذلك وسط حشد كبير من «الرجال» الذين جاءوا لالتقاط الصور التذكارية في هذا الحدث!! إلا أن مندوب «غينتس» سلم شهادة تسجيل الرقم القياسي الجديد لرئيسة الجمعية النسائية باعتبار أنهن من حققن الإنجاز!!
وسط زغاريد العجائز وتصفيقهن!!
وهن يرددن «هذه شهادة اعتراف عالمية على قدرتنا»!! حتى ولم نكسب مالاً!! ولكن يكفينا أن العالم سيذكرنا!!
بالفعل سيذكر أبناء وبنات الأحساء يوما أن إرادة جداتهن... أجبرت العالم على الاعتراف بقدرتهن.
مما جعلني أحرص على التقاط صورة لي معهن وضعتها لاحقاً في موقع مناسب في منزلي!!
حتى أتذكر دوما قدرة المرأة على تحقيق الإنجاز و»تحطيم الأرقام» ولو تخطت السبعين!
والسؤال المطروح هذا الحدث قارب على مروره الآن عام كامل..
فكم جمعية نسائية لدينا تمكنت خلال هذه السنة من تقديم مبادرة شبيه لنساء المجتمع المحلي لديها؟
نساء ينتظرن من الجمعيات التي لا تملك مالا لدعمهن... تقديم مبادرات خلاقة ومعنوية شبيهه «بسلة الخوص»..
لتعيد بذلك البسمة والفرحة والزغرودة على شفاه أمهات وجدات عجزنا عن كسوتهن...
ولن يعجزن هن عن تحطيم رقم!!
وعلى دروب الخير نلتقي
fahd.jleid@mbc.net