يمثل الإعلام السياحي واحداً من الممارسات الإعلامية الحديثة نسبياً في العالم ولاسيما في الدول الأقل نمواً. وجمهور الإعلام السياحي جمهور من نوع خاص باعتباره مستهلكاً يبذل المال والوقت من أجل الاستمتاع بالمنتج السياحي بمختلف أنواعه، وعليه فإن رسالة الإعلام السياحي ينبغي أن تكون قادرة على إقناع المستهلك بجدوى المنتج السياحي من خلال رسالة تأخذ في اعتبارها جودة هذا المنتج والمتغيرات المختلفة للجمهور المستهدف مثل العمر والدخل ومستوى التعليم والحالة الاجتماعية وسواها من المتغيرات التي تؤثر في القرار السياحي.
ولقد أدركت الهيئة العامة للسياحة والآثار أهمية الإعلام السياحي في النهوض بالسياحة الداخلية واعتبرته احد أهم الشركاء في إيجاد صناعة سياحة داخلية ناجحة تدعم الاقتصاد الوطني وتوفر له مورداً هاماً وتساهم في استيعاب الطاقات البشرية ولاسيما وأن قطاع السياحة يعتبر وفقا لمنظمات السياحة العالمية، أكثر القطاعات التي توفر الفرص الوظيفية إذ إن 12% من سكان العالم يعملون في السياحة.
ومنذ بضع سنوات أقرت الهيئة العامة للسياحة والآثار إستراتيجية الإعلام السعودي «لتأصيل العمل المهني لممارسات الإعلام السياحي في المملكة العربية السعودية من خلال وضع الأسس والتنظيمات المهنية الكفيلة بتوظيف أنماط الاتصال المختلفة لخدمة صناعة السياحة الداخلية». وحددت الإستراتيجية أولويات الخطاب الإعلامي والجمهور المستهدف وفق أربع مراحل تمتد المرحلتان الأولى من عام 1425هـ وحتى عام 1429هـ على أن تبدأ المرحلة الثانية مباشرة وحتى عام 1434هـ ويتم تقويم الأداء في المرحلتين في المرحلة الثالثة التي تستغرق ستة أشهر تبدأ بعدها المرحلة الرابعة ولمدة عشر سنوات. ويشكل الخطاب التوعوي ركيزة الرسائل الإعلامية في المرحلة الأولى ويستهدف «تهيئة البيئة المحلية لتقبل السياحة وفقا لمفهومها المعتمد في المملكة... إضافة إلى سعيه لتشجيع السلوكيات الايجابية اللازمة لنجاح هذه الصناعة الحديثة في المجتمع السعودي» ووفقا لإستراتيجية الإعلام السياحي فإنه من المنتظر أن يحقق الخطاب التوعوي أهدافه خلال المرحلة الأولى. وكان من المفترض أن يسبق هذه المرحلة دراسات منهجية علمية تقف على قدرة وسائل الإعلام السعودية على توفير المعلومات السياحية للمواطن وتقويم أداء كل وسيلة من خلال الجمهور المستهدف حتى يمكن وضع تصور واضح للخطاب التوعوي بما يتناسب مع كل وسيلة وبما يتناسب مع شرائح المواطنين المختلفة بكل متغيراتها بدلا من الخطابات الإعلامية العشوائية. والسؤال، وقد انقضت السنوات الخمس، هل حقق الخطاب التوعوي أهدافه؟ هل أجريت دراسات لتقويم الحملات الإعلامية التي تم تنفيذها؟ أم إنه تم البدء في المرحلة الثانية «الخطاب التعريفي» دون معرفة النتائج المتحققة من المرحلة الأولى؟
ومع التأكيد على أهمية الإستراتيجية إلا أن تحديد أولويات الخطاب الإعلامي السياحي وتقويمه والجمهور المستهدف بحسب الجنس والمرحلة والتعليم والدخل والإقبال على السياحة الداخلية لم يستند على منهجية إعلامية سياحية كما هو مبين في ما يلي:
1 - إن الدراسات التي تم على ضوئها تحديد أولويات الخطاب الإعلامي السياحي دراسات تنظيرية فواقع الإعلام السياحي من حيث دراسات الجمهور كما جاء في الإستراتيجية بعيد في معظمه «عن التعرض للواقع التطبيقي لممارسات الإعلام السياحي في المملكة مع عدم محاولة التعرف على اتجاه الجمهور نحو تلك الممارسات» أي أن تحديد أولويات الخطاب الإعلامي السياحي لم تكن مبنية على دراسات منهجية وان تلك الأولويات للسنوات العشر الأولى «المرحلة الأولى والثانية». تم تحديدها في الغالب وفق أفكار تنظيرية واجتهادات فردية.
2 - إن الممارسات الإعلامية السياحية في المملكة حديثة، كما هو حال السياحة كصناعة، وكان من المستحسن إجراء دراسات منهجية أولية استرشادية على الخطاب الإعلامي السياحي والجمهور المستهدف على مدى عام على الأقل تشمل مختلف أنواع السياحة مع التركيز على السياحة الصيفية يتم بعدها تحديد أولويات الخطاب السياحي وفئات الجمهور المستهدف وفقا لنتائج الدراسات على أن تخضع الأولويات لإعادة الترتيب بناء على نتائج الدراسات اللاحقة.
3 - إن الانتظار لعشر سنوات لتقويم الحملات الإعلامية بشقيها الحكومي والخاص أمر مبالغ فيه إذ إنه لا يعقل أن تستمر الحملات الإعلامية هذه السنوات دون أن يكون هناك تقويم لها خلال التنفيذ لأن ذلك يعني استمرار العشوائية والارتجال والأخطاء في كل ما يتعلق بالجهد السياحي الإعلامي في الوقت الذي تحرص فيه الدول الأجنبية على تقويم أدائها الإعلامي السياحي نحو السائح السعودي أولاً بأول للفوز بأكبر حصة من السوق السياحي الذي يستقبل 4.5 مليون سائح سعودي سنوياً.
4 - تبرز أهمية وواقعية التقويم المستمر للحملات الإعلامية في ضوء استمرار تغير أنماط الاتصال السياحي في ظل تكنولوجيا الاتصال المتطورة وتغير السلوك والعادات السياحية للسائح السعودي وتطور أساليب الدعاية والإعلان السياحي.
لقد شخصت إستراتيجية الإعلام السياحي مكامن الضعف في الممارسات الإعلامية السياحية في: غياب الرؤى والاستراتيجيات والتي نتج عنها قيام الإعلام السياحي على اجتهادات محدودة، وقرارات آنية لا تستند على خطط مرحلية، وسيادة العشوائية، وغلبة الأساليب الدعائية في الخطاب الإعلامي، من خلال المبالغة في تقديم المقومات والمرافق والخدمات السياحية وقلة المساحات المخصصة للاهتمامات السياحية واتسام عناية وسائل للإعلام بالسياحة الداخلية بالموسمية، وعدم التوازن في التغطية الإعلامية للاهتمامات السياحية. والواضح، ومع انقضاء المرحلة الأولى للحملات الإعلامية السياحية، إن أوجه القصور في أداء وسائل الإعلام الحكومية في كل ما ذكر ما تزال قائمة. وبنظرة سريعة على ما يقدمه التلفزيون والإذاعة السعودية يمكن ملاحظة استمرار النمطية والارتجال في إعداد وتقديم وإخراج البرامج المخصصة للتعريف بالسياحة الداخلية مع عدم الاستفادة من نتائج الدراسات المنهجية القليلة المتاحة والتي أظهرت عدم قدرة وسائل الإعلام على تلبية احتياجات السائح السعودي المعرفية عن السياحة الداخلية إلى حد كبير لأسباب عديدة، وبالتالي ضعف تأثيرها على القرار السياحي. ويشكل غياب أو محدودية الإشراف المهني الذي يفترض أن تمارسه الهيئة العامة للسياحة والآثار، كما نصت على ذلك إستراتيجية الإعلام السياحي، أحد أهم أسباب ضعف تلك البرامج بالإضافة إلى تغييب الكفاءات المؤهلة في الإعلام السياحي.
إن تنفيذ وتقويم الحملات الإعلامية السياحية يتطلب الاهتمام بالإعلام السياحي في كليات ومعاهد السياحة واعتباره تخصصاً قائماً بذاته وهو أمر غير متحقق في مؤسسات التعليم السياحي التي لا يدرج كثيرا منها هذا التخصص أو حتى بعض مناهجه ضمن برامجها.