تتنوع مناطق المملكة حسب جغرافيتها بطبيعة ثقافة العمل، فربما نجد منطقة تختلف عن المنطقة الأخرى في مفهوم ثقافة العمل، والتجارب الجميلة لأبناء بعض المناطق وهم يعملون في أغلب المهن هي التي تحدد مفهوم تلك الثقافة.
نلاحظ أن بعض المناطق يُقبل أبناؤها من الشباب على العمل في الأسواق والمحلات التجارية، وتسويق المنتجات الزراعية؛ لكون منطقتهم تشتهر بالزراعة، وكذلك في مناطق أخرى تجد الشباب هم الذين يعملون في سوق الأسماك والأعمال الحرفية وغيرها من المحلات التجارية، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه الثقافة موجودة في مناطق ومغيبة في مناطق أخرى؟ يبدو أن هذه الثقافة مورَّثة من الآباء إلى الأبناء للعمل في تلك المهن، ولكن هؤلاء الشباب حرصوا على هذه الثقافة، وتمسكوا بها، وهذا يعكس الفهم الكبير الذي يتمتعون به في حبهم لممارسة العمل التجاري والدخول فيه.
بعض الأنظمة في سوق العمل هي التي تعيق سعودة كثير من المهن والوظائف وتساهم في نفور الشباب من هذه المهن، وتدفعهم إلى البحث عن الوظائف الحكومية ومنها مشكلة أوقات العمل التجاري الحر وخصوصاً وقت العمل بالأسواق والمحلات التجارية، حيث تمتد ساعات العمل من الصباح إلى الظهر، ثم من الساعة الرابعة إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، وهذا من وجهة نظري من أكبر الأخطاء التي ما زلنا نرتكبها حتى الآن، ولا نعي خطورتها؛ لأن المواطن لا يستطيع أن يعمل طوال يومه وحتى منتصف الليل؛ بسبب ما يواجهه من ارتباطات عائلية واجتماعية؛ مما يجعل العامل المقيم يُغرد وحيداً في هذه الأعمال دون منافس.
فماذا لو تم تحديد انتهاء فترة العمل المسائية عند الساعة التاسعة مساء لجميع الأسواق والمحلات التجارية ما عدا المطاعم والمقاهي والصيدليات فسوف نجد كثيراً من الشباب يتجهون للعمل في تلك المحلات التجارية، ويبدؤون بقبول تلك المهن؛ لأنهم أصبحوا مدركين لساعات العمل المطلوبة منهم، وأنها لا تشكل عليهم عبئاً كبيراً، وتتناسب مع ظروف وارتباطات المجتمع من حولهم، كذلك الدولة ستستفيد كثيراً من تطبيق هذا النظام وخصوصاً في توفير الطاقة من الكهرباء وغيرها، وستقل الاختناقات المرورية وحوادث السيارات أثناء الليل، وهذا النظام أصلاً معمول به في الدول الغربية وأمريكا، بل حتى بعض دول المنطقة؛ فجميع الأسواق والمحلات التجارية تغلق عند الساعة السادسة مساء.
الأمر الآخر إذا ما أردنا تفعيل المقترح الأول فلا بد من تأخير وقت صلاة العشاء ساعة أخرى كما هو معمول به في شهر رمضان المبارك، بحيث يكون الوقت بين آذان المغرب والعشاء ساعتين، فإذا تم عمل ذلك فالأسواق والمحلات سوف تغلق مع آذان صلاة العشاء، وبهذا سوف نحدث نقلة نوعية كبيرة في تشجيع شبابنا على العمل في المحلات والأسواق التجارية، ويبدأ الناس ببرمجة أنفسهم على هذا التغيير الجديد ومن ثَمَّ يصبح هذا التغيير شيئاً مألوفاً.
كذلك المحلات التجارية الخاصة بالنساء سواء بيع الملابس النسائية أو محلات المقاهي الجديدة أو المطاعم وغيرها التي تزخر بالعمالة الوافدة ومن جنسيات متنوعة، ونساؤنا عند شرائهن لحاجاتهن الخاصة يقابلن هؤلاء الرجال، وهن مرغمات على شراء ما يحتجنه من ملبس، فلماذا لا تفكر الجهات المسؤولة بإحلال عنصر نسائي سواء كنَّ من بنات الوطن أو من الخارج من جنسيات مختلفة، مثل: الفلبين، والهند، والصين وغيرها؛ لأن المحافظة على نسائنا هو الدافع الأكبر لقيامنا بهذا العمل، فلك أن تتخيل أن نساءنا يسألن عن ملابسهن سواء الخارجية منها أو الداخلية ويخترنها عن طريق هؤلاء الرجال، ومن زيادة خجل بعض النساء تجدهن يحرصن على شراء حاجاتهن من العمالة الأجنبية الذين لا يتحدثون اللغة العربية حتى لا يكنَّ في موقف محرج، وكذلك في المقاهي الحديثة فالذي يقوم بالخدمة هم من الرجال أيضاً، فأين حميَّتنا على نسائنا وبناتنا اللائي في عمر الزهور، ألا نخشى عليهن من هؤلاء الرجال، ألا نخشى عليهن وهن في المقاهي والمطاعم أن الذي يُقدم لهنَّ الأكل والشرب رجال، لماذا هذا التأخير والصمت من الجهة المسؤولة في هذا الشأن؟ لماذا لا تكون هناك مبادرة سريعة ويفتح المجال أمام بنات هذا الوطن للعمل في المحلات التجارية وغيرها كما هو معمول به في الدول الخليجية المجاورة لنا، ولماذا لا يحال هذا الموضوع إلى لجنة شرعية لدراسته دراسة مستفيضة ومن وجهة نظر شرعية يتمّ إصدار الضوابط والمعايير لتلك المحلات وللعاملات أيضاً من حيث الملبس، والهيئة، وغيرها، وكذلك تصدر أنظمة وعقوبات على أي متحرش أو معاكس يعاكس هؤلاء الباعة، من النساء ويكون العقاب شديداً على الجميع ومن دون استثناء، وبهذه الطريقة نستطيع أن نحافظ على بناتنا وعلى مشاعرهن وعدم إيذائهنّ أو التطفل عليهن من هؤلاء الباعة الرجال أو غيرهم، كما أننا نزيد من إتاحة فرصة العمل أمام بناتنا الراغبات في العمل في هذا المجال.
ختاماً أقول إنه لا مبرر للصمت والسكوت عن مثل هذه الأمور وتجاهلها وكأنها لا تعنينا ولا تهمنا أين الغيرة والخوف على بناتنا وتجاهل القضية؟ فإذا كان من بيننا من لا يدفعه الأمر إلى المبادرة لحل هذه المعضلة إلا بعد وقوع المشكلة فها هي المشكلة قد وقعت؟ وعلى من يشكك في ذلك فعليه فقط أن يطالع الصحف المحلية والمواقع الإخبارية على الشبكة العنكبوتية أو يقتطع بضع دقائق من وقته ليزور مقار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتأكد أن ما يحاذر منه قد وقع فعلاً!