بعث الله الأنبياء والمرسلين بالرسالات السماوية المبشرة بالخير والصلاح للبشرية لعبادة الله وحده لا شريك له، وأخذ أنبياء الله ورسله يدعون أقوامهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يتخذوا أسلوب الغدر وإزهاق الأنفس البريئة بغير حق، فكانت رسالة محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين التي تبشر ولا تنفر، وتؤلف ولا تفرق، فانتشر الإسلام في المعمورة، وانتشرت الفضيلة والسماحة حتى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان جار له يهودياً وتعامل مع النصارى المعاملة الحسنة {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، ودخل الناس في دين الله أفواجاً لسماحة الدين الحنيف، وسلك ذلك النهج القويم كل الدعاة والمصلحين، فجاءت دعوة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب - قدّس الله روحه - التي لم تتخذ الإرهاب والتفجير وقتل الأبرياء طريقاً ومسلكاً بل بين الترغيب والترهيب، فقامت دعوة التوحيد التي عمَّ خيرها أجزاء كبيرة من الجزيرة العربية وأقطار عربية أخرى بعد تضامن الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - معه ونصرته، فكانت الدعوة السلفية، مهتدين في جهادهم في نشر الإسلام وتجديد دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وفق المنهج والتوجيه الرباني وما جاء في كتاب الله العزيز وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فلم يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً، ولم يهدموا بيوتاً أو يحرقوا مزارع أو يقطعوا مصالح أو ينهبوا أموالاً كما يفعل الغزاة والجبابرة أو كما فعل إرهابي هذا العصر من الخوارج والمارقين (ابن لادن وجماعته الضالة) وما سميت بالقاعدة الذين سعوا في الأرض بالخراب والفساد ونشروا الرعب والقتل والدمار وطال شرهم كل أرجاء الدنيا يدعون أن ذلك من الإسلام وأنه الجهاد الصحيح، والإسلام منهم براء وجهادهم باطل بل في سبيل الشيطان، فلم يسلم منهم الإنسان والحيوان والجماد، ولم ينشروا الإسلام، ولم يخرجوا الغزاة من ديار المسلمين.
{وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ}، أسامة بن لادن الذي نظم وتبنى ورعى وقاد تنظيم القاعدة الضال عاش جل أيام عمره متنقلاً بين الأودية والجبال، مشرداً في الكهوف، معتقداً بأن حصونه ستحميه من أمر الله لكنه كان خائفاً وجلاً مع شرذمة أغدق عليهم بأموال الله أعلم بمصدرها، يصدر توجيهاته إلى زمرته وأعوانه وهو قابع بين الحجارة كالجرذان، تلك الجماعة التي تحسب أنهم يحسنون صنعاً بتفجير أنفسهم وقتل الأنفس البريئة وأنهم بذلك خدموا الإسلام والمسلمين وجاهدوا في سبيل الله، وما علموا أنهم أضروا كثيراً بأمتهم وخدموا أعداءها بإزهاقهم أرواحاً بريئة، ودمروا منشآت حيوية، ونشروا الفرقة والكراهية بين الشعوب، فحصل محاربة كل ما هو إسلامي، وأصبح المسلمون محل شك وريبة في كل المحافل الدولية، وتعرضوا لكثير من المضايقات والإهانة بدرجة جعلت أعداء الإسلام يحرقون المصحف الشريف ويشوهون سمعة الإسلام ورسول رب العالمين محمد -صلى الله عليه وسلم- بصور مسيئة لنبينا المصطفى. كل ذلك بسبب أعمال جماعة القاعدة التي قتلت وروعت الآمنين، ونشرت الإرهاب في كل مكان باسم الجهاد، فلم يسلم من شرها أحد من بلدان العالم بزعامة الإرهابي الظالم (بن لادن) الذي لقي جزاءه وحصد ما زرع. فالله عز وجل يمهل ولا يهمل (وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين)، مات ابن لادن بعد أن نشر الفساد في البر والبحر وسعى في خرابها، وقد كنا نتوقع الإطاحة به أو موته بين الحين والآخر ولكن حقيقة لم نكن نتمنى لإنسان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن تكون نهايته بهذا الشكل وهذه الطريقة البشعة التي قُتل فيها، لأننا كنا نتمنى لو كان مجاهداً في سبيل إعلاء كلمة الله والرفع من شأن المسلمين الذين شوه سمعتهم بأفعاله المشينة، وقد أساء في حق أمته ودينه، شأنه في ذلك كشأن صدام حسين وما جره على أمته من ويلات -مع الأسف- فلقد جرف بن لادن أبناء الأمة الإسلامية خصوصاً الشباب الصغار منهم إلى الهاوية، وخدعهم بشعيرة الجهاد واتخذ منهم أدوات لتنفيذ أهدافه وقنابل موقوتة يفجرون بها أجسادهم، فغسل أدمغتهم بالأفكار الضالة والمنحرفة فقبله المغرر بهم والمخدوعون بها لقلة فهمهم الصحيح في أصول الشريعة والجهاد في سبيل الله، فانحرفوا عن الطريق المستقيم، وجعلوا قتل الأبرياء والتفجير شعاراً لهم. وكم كانت أمنياتنا عظيمة لو كان بن لادن صلاح الدين الثاني محرراً لمسجد الأقصى الأسير من أيدي أعداء الإسلام وحرر الأراضي العربية المغتصبة من براثن الاستعمار ووجه كل طاقاته وإمكاناته المادية والجهادية لتحرير فلسطين السليبة ونصرة إخوانه المسلمين المستضعفين في غزة وغيرها، لكن يا أسفاه فبدلاً أن يجاهد في سبيل الله كان يحارب المسلمين وفي بلاد مسلمة وينشر الرعب والقتل. لو كان حقاً مجاهداً في سبيل الله واتجه لتحرير بلد المحشر لكان خيراً له من أن يصرف ما صرف من تفجير البرجين العالميين في نيويورك الذي جر على المسلمين والعرب بصفة خاصة تبعات وويلات تلك الحادثة الشنيعة، وما ظنكم لو سخر كل إمكاناته لتحرير الأقصى المبارك لكانت كل الأمة معه جنداً مجندين لتحرير ثالث الحرمين الشريفين ولتقدمنا الصفوف للجهاد في سبيل الله، ولكن {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، فلقد أصيبت الأمة بسببه بالكثير من النكبات والتأخر، فماذا قدم بن لادن وأعوانه لأمتهم العربية والإسلامية من نفع وخير غير الذل والهوان؟ فكم حصل بسببه وجماعته من العداء للأمة المسلمة والعرب على وجه الخصوص، وأصبح أي عمل إرهابي يعول على الجماعات الإسلامية حتى لو كان من غيرهم، وأصبحوا محل اتهام في كل عمل مخل بالأمن. فبدل أن ينشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة والتعامل الحسن صار يدعي الجهاد بالإرهاب وقتل الأبرياء والمستأمنين، منافياً بذلك كل تعاليم دين الإسلام السمحة ونهج سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين -رضوان الله عليهم- وما كان عليه سلف هذه الأمة التي تحرم الظلم وسفك الدماء المعصومة ومنها قتل المعاهدين. ولكن سيبقى الإسلام عزيزاً وظاهراً حتى تقوم الساعة -إن شاء الله العزيز القوي. إن الذين انجرفوا مع ذلك الإرهابي المارق انخدعوا بداية فيما دعا إليه من جهاد واتضحت حقائقه النتنة بعد إعلانه الخروج على أئمة المسلمين ودعمه للأعمال التخريبية في بلاد الحرمين الشريفين، هذه البلاد التي ولد وتربى وترعرع وتعلم على أرضها وأكل من خيراتها، وكانت المملكة العربية السعودية وشعبها أكثر الدول ضرراً وطالها من شره ما هو معلوم، فقطع اليد التي امتدت إليه بالخيرات وتنكر لحكومته ودعا إلى الخروج على ولي أمرها ليدمرها وأهلها، وتعطلت كثير من جمعيات خيرية ومصالح بسببه، والقاعدة بزعامة قائدها المشئوم خدم بعمله وجهاده المزعوم الغرب وأعداء الإسلام من حيث يشعر أو لا يشعر، ففح للدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل الأبواب على مصراعيها لغزو العالم العربي والإسلامي، وما العراق وأفغانستان وغيرهما عنا ببعيد، فأسامة بن لادن الإرهابي لم يأخذ من أبيه -رحمه الله- القدوة في بره ووفائه للأرض التي آوته وعمل فيها وعاش على ترابها فأخلص لها وكان الابن البار لبلده وأمته.
إننا نرجو من الله أن يكون في قتل رأس الفتنة وقائد التمرد نشراً للأمن والسلام في ربوع الدنيا، ولعل في قتله خير للإسلام والمسلمين وراحة للناس أجمعين، فقد قدموا إلى ما عملوا (ولا يظلم ربك أحدا) وحسبنا الله ونعم الوكيل.