أخطأت ابنة العقيد القذافي عائشة حين قالت في ظهورها الإعلامي الثاني على شاشة التلفزيون الليبي والتي نشرت صحيفة الشرق الأوسط يوم السبت 12-5-1432 العدد 11827 تصريحها: (من لا يريد القذافي لا يستحق الحياة) أهـ. ولا عجب لعاقل فيما تلفظت به، لهشاشة مشاعر الأنثى الطبيعية ورقة عذوبتها وحدة عواطفها نحو أبيها ولا لوم مرة أخرى فهي الفطرة، مما دعاها لتقديم الرغبة العاطفية على الحاجة المنطقية التي يريدها ويبحث عنها الثوار على استئثار بقاء والدها الذي أراق الدماء وهدم المباني وشرد الملايين وأعطى ذاته أحقية البقاء الأبدي على رأس الهرم الرئاسي دون أي استحقاق أو حتى نتائج مسبقة تشفع له المحاولة لبقاء فترة رئاسية لاحقة.
مما نددّت به عائشة ابنة الزعيم كما يزعم أيضاً قولها: (إن مطالبة التحالف العسكري لأبيها بالتنحي هي إهانة لكل الليبين) أهـ. هذا الحديث العاطفي يصدق يا عويشة إذا كان التحالف اقتحم ارتجالاً دون وجود ما يستدعي التدخل، فالتحالف الحالي المتواجد على أرض ليبيا هو ردة فعل الإجرام الدموي والسفك القهري التعمدي والقمع المرعب الذي طال المدنين وأعدم النبلاء والشرفاء من أبناء الشعب الليبي الذين وصفهم أباكِ بالأمس بـ(الجرذان) أي زعيم أو رئيس يستحق أن يطاع إن كانت هذه عباراته التي يخاطب بها شعبه وأتباعه؟. ماذا قدم أباكِ لليبيا حتي يقدم شعب ليبيا له الوفاء، سوى القمع والذل والإهانة ونزع الكرامة بقوة الرقابة وصرامة السلطة! أترغبين أيتها الفتاة المندفعة بمعرفة ما أبتلي به أباكِ؟ عذرًا إن قلت لكِ إنها (جنون العظمة الفارغة من العطاء) التي تهيجها لذائذ بقاء مميزات السلطة الاعتبارية من حرية مطلقة أو سلطة غير مقيدة بسقف القانون ولا حتى حدود العقل والمنطق، فما بالك بالشرع واستمرار الحراسة وتوسع النفوذ والحضور الإعلامي الدائم لبقاء سلطته وحضور المؤتمرات وقبل كل ذلك وبعده اقتران لقب وكناية فخامة الرئيس.. باسمه مدى الحياة.
كل ما سبق وما بقي غصون شجرة العظمة العمياء، التي أهلكت ملوك ورؤساء القرون الأولى السالفة التي صورها وعرضها لنا القرآن الكريم كفرعون وهامان وقارون وأبي لهب.. فلما كانت غاياتهم تلك أتت النتائج والعواقب على نحو ما قص لنا القرآن ولا غرابة فالنتائج تبعاً للمقدمات.
أنسيتي ياعائشة ابنة الزعيم الدكتاتوري الذي عرف الناس كلهم إلا نفسه، كيف كان أباكِ يداخل في المؤتمرات ويلقي الكلمات على من زعم أنهم أشقاؤه وأصدقاؤه من رؤساء وزعماء بسوء أدب وقلة مروءة ونذالة عشرة؟ أغفلتي عن قدرة أبيك في إضافة ألقاب لنفسه لم يمنحها له التاريخ أو حتى محفل دولي متفق عليه؟ هل تساءلت مع عقلك لماذا كان يفعل كل ذلك؟ إنها غطرسة جنون العظمة التي تريد أن تأخذ دون أن تعطي، إنها العظمة التي تريد البقاء الدائم الذي لا زوال له! حتى بعد الموت، إنه بالفعل يحاول أن يتحول إلى إله بشري. وهذه العظمة لها تاريخ طويل، ومن أصدق الشواهد عليها ما قصه الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله تعالى - في كتابه الوزير المرافق ص115، أثناء مرافقته لوفد المملكة لليبيا برئاسة الملك خالد - رحمه الله تعالى - كيف كان يتحدث بعنجهية وفوقية وطفولية التسلط وتمرد الصبيان.
ختاماً لما تناولت أشهد الله بأني أكره بقاء غل أو شرارة حقد في قلبي على مسلم وإن بعُد مداه أو قرب، لكن الحقيقة التي لابد من الإيمان بها والوثوق بمصداقية وقوعها هي التي نبأنا القرآن العزيز بها حين تمادى طغيان فرعون وترسخ لديه سلوك جنون العظمة الهوجاء جاءته العقوبات المهلكة كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4) سورة القصص.