الرؤية الإستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي بدأت تتضح - من الاجتماع التشاوري الذي عقد الأسبوع الماضي بالرياض - وخاصة في ظل ظروف ومستجدات العالم التي نعيشها حاليا.. والترحيب بطلب المملكة الأردنية الهاشمية، ودعوة المملكة
المغربية للانضمام إلى المجلس هي رؤية إستراتيجية مبنية على أفق واسع، ورؤية مستقبلية..المجلس منذ تأسيسه حقق الكثير من الأهداف، ولكن في مقدمة هذه الأهداف حفظ التوازن وبناء الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في المنطقة الخليجية، رغم وجود أحداث كبرى جرفت المنطقة إلى حروب، منها الحرب العراقية الإيرانية، وحرب تحرير الكويت، وحرب العراق، إضافة إلى حروب مكافحة الإرهاب. وقد كانت الدول بمجلس التعاون معنية بالدخول المباشر وغير المباشر في هذه الحروب والأزمات.. واستطاعت جهود قادة المجلس وحكمتهم السياسية ودعم شعوبهم ومجتمعاتهم أن تقود المجلس والمنطقة الخليجية إلى بر الأمان ولله الحمد.. ويمر العالم العربي حاليا بوضع غير مستقر، وظروف استثنائية غير مسبوقة، جراء حراك الشارع العربي، وتصادمات المؤسسات السياسية والعسكرية مع حشود ومظاهرات، وبدايات حروب أهلية في الأفق تهيمن على أكثر من دولة عربية.. وهذه الظروف والمستجدات تستلزم من المجلس التفكير مليا في بناء فرص الخروج من مثل هذه الأزمات التي تعصف بالعالم العربي، وربما تؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر على استقرار وأمن دول المجلس، وتؤثر كذلك على الوضع الاقتصادي للمنطقة الخليجية بشكل خاص.
ومبادرة مجلس التعاون للدخول في الشأن اليمني هو مطلب مهم في إسهامات المجلس بوضع تصور خروج لهذه الأزمة المستمرة منذ شهور، والتي لا تزال تراوح مكانها دون تقدم أو دون حلول بين أطراف النزاع في اليمن.. ولا نزال ننتظر وضعية ومكانة هذه المبادرة الخليجية ومدى إمكانية نجاحها على أرض الواقع.. وفي الاجتماع التشاوري الأخير لقادة دول المجلس الذي انعقد بمدينة الرياض الأسبوع الماضي، أعلن المجلس ترحيبه بانضمام المملكة الأردنية الهاشمية، ودعوته كذلك للمملكة المغربية إلى الانضمام.. وتعد هذه مبادرة نوعية من مبادرات المجلس والتي بنيت على أساس من العلاقات الخاصة والسمات المشتركة والأنظمة المتشابهة بين هذين البلدين ودول مجلس التعاون.. وهناك أسباب أخرى يمكن استشفافها من مثل هذه الخطوات الجريئة للمجلس، ومنها على سبيل المثال:
1. يحتل مجلس التعاون قوة سياسية مؤثرة في القرار العربي والإقليمي والدولي، ولكن إضافة دول أخرى - ضمن مثلا مجالس سياسية أو مجالس اقتصادية تحت مظلة المجلس - سيعطي قوة كبيرة للمجلس، ويزيد من تأثير المجلس على المستوى الجيوبولوتيكي الإقليمي والعربي. وستشكل هاتان الدولتان إضافة مهمة لقوة المجلس بما يحملانه من أوراق مهمة وإرث سياسي وثقافي على مر العقود الماضية، إضافة إلى كون هاتين الدولتين ترتبطان بعلاقات سياسية وثقافية مع دول ومجموعات أخرى مؤثرة على الصعيد الدولي.
2. انضمام دول مثل الأردن والمغرب يعني تقوية هذه الدول داخليا، وتعزيز مقوماتها السياسية والاقتصادية، وتهيئتها لمزيد من الاستقرار الداخلي، ولا سيما الجانب الاقتصادي، حيث عانت الدول العربية مؤخرا من الضغوط الاقتصادية التي أودت وتكاد تودي بأنظمة عربية عديدة. ولاشك أن وقفة مجلس التعاون الخليجي مع هاتين الدولتين سيكون بمثابة قوة تحول نوعي في بنيتها السياسية ودعم اقتصادها الداخلي..
3. إضافة العنصر البشري من الأردن والمغرب لدعم العنصر البشري الخليجي سيضيف كثيرا إلى إثراء المؤسسات الثقافية والعلمية، ويبني توثيقا أكبر بين العقول والخبرات في هذه الدول، إضافة إلى دعم الشركات والمؤسسات بكوادر بشرية تسهم في بناء النهضة الاقتصادية في دول المجلس..
4. على مر العقود الثلاثة الماضية، أثبت مجلس التعاون الخليجي أنه يمثل قوة تعزز من الحضور العربي، وتدعم جهود الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وحقق المجلس قوة تصالحيه مهمة على صعيد العلاقات العربية البينية، كما شكل قوة تأثير دولية على القرارات الدولية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. وعندما تنضم كل من الأردن والمغرب فسيشكل ذلك دعما أكبر لدور ومكانة الجامعة العربية، وسيعزز استقرار وثبات القرار السياسي العربي.
وأخيرا، فهذه الخطوة التي بدأت بهذا الإعلان هي الخطوة الأولى فقط، وتنتظر خطوات عديدة وقرارات جريئة من المجلس. وهذا ما ننتظره في القريب العاجل عندما يضع وزيرا خارجية البلدين (الأردن والمغرب) تصورا لموضوع الانضمام، وآليات العمل المشترك. ولا شك أن انضمام أي دولة جديدة يعد تحديا كبيرا لنظام المجلس، ولكن الأمور والمستجدات التي تحيط بنا، وأهمية بناء علاقات إستراتيجية تواجه المخاطر وتقلبات ومزاجية بعض القرارات الإقليمية قد تفرض أهمية لمراجعات نوعية على دستور المجلس وتوجهاته الحالية..
(*) رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa