في السنوات الخمس الماضية، لم يكن لرجل الشارع الفلسطيني همّ -سوى- الحديث عن الانقسام، وتداعياته القاتلة على الشعب، وعلى القضية، والمطالبة بالمصالحة، والعمل على جبر ما انكسر في العلاقات بين طرفي النزاع. إلا أن شيئاً «ما»، سار في الاتجاه الصحيح؛ لتقترب الحركتان من التوصل النهائي إلى اتفاق مصالحة، من حيث -المضمون والتوقيت-.
وحتى لا تأخذنا اللحظة، فإن ما يُقلق، هو: أن إسرائيل ستفحص في واقع الأمر، آثار المصالحة على النهج السياسي للجسم الفلسطيني المشترك. وسترى اتفاق المصالحة بعيون أخرى؛ لإفشال الاتفاق عبر خطوات، أشار إليها -أخي- صالح النعامي، في مقاله: «إسرائيل وإفشال المصالحة الفلسطينية»، فتطبيق الاتفاق بنجاح، سيؤدي إلى إنهاء حالة الانقسام، وهو ما يؤذن بخسارة إسرائيل؛ لكل المكتسبات الإستراتيجية التي حققتها، عقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي جاءت بحركة حماس إلى الحكم، وما تلا ذلك من صدامات أدت إلى الانقسام الفلسطيني.
على أية حال، فقد أشار المقال إلى مجموعة من الخطوات؛ لإفشال الاتفاق بين حركتي «فتح وحماس»، ومن ذلك: الضغوط السياسية، ويتضح ذلك من الحملة الدعائية الإسرائيلية المركزة، والمكثفة، التي أعقبت الإعلان عن اتفاق المصالحة. وستحرص تل أبيب في المرحلة المقبلة، على محاولة نزع الشرعية عن الحكومة الانتقالية التي سيشكلها الفلسطينيون، كما ينص اتفاق المصالحة، حيث ستثير إسرائيل شروط اللجنة الرباعية، المتمثلة في ضرورة: اعتراف الحكومة بإسرائيل، والاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل والسلطة، ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً. وستدعو إسرائيل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، للحكم على الحكومة الجديدة، بقدر التزامها بمواصلة التعاون الأمني، وتعقب المقاومة. وستحاول وضع أعضاء الحكومة الانتقالية تحت المجهر، واستغلال كل ما يربط وزراء الحكومة بحركة حماس؛ من أجل العمل على شيطنة الحكومة بأسرها. وسيطالب الإسرائيليون العالم بفرض مقاطعة سياسية على قيادة السلطة، ممثلة في رئيسها عباس، وستزعم أنه: عضو جديد في محور الشر.
وعند الحديث عن الضغوط الاقتصادية: فإن إسرائيل ستسعى إلى أن تثبت للفلسطينيين، - لاسيما - في الضفة الغربية، أن أوضاعهم لن تزداد إلا سوءًا في ظل المصالحة، وستحاول إقناع الدول المانحة بالتوقف عن تقديم الدعم المالي للسلطة، بحيث تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، وهذا بدوره سيؤدي إلى تردي الأوضاع المعيشية في الضفة. وفي المقابل، ستهدد إسرائيل بالتوقف عن تحويل عوائد الضرائب، وقد مُنعت بالفعل، والتي تجنيها عن البضائع المستوردة للمناطق الفلسطينية لخزانة السلطة. وستعمل على التأثير بشكل غير مباشر على الأوضاع الاقتصادية، عبر فرض قيود معدلات النمو، إلى جانب المس بالعمل في الكثير من المشاريع الإنشائية، ومشاريع البنى التحتية، التي شرع فيها في كثير من مناطق الضفة الغربية.
أما الضغوط الشخصية: فلن تتردد إسرائيل في ممارستها على قيادات السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، عبر حرمانهم من المزايا الشخصية التي منحت لهم، بفعل مشاركتهم في الحرب على المقاومة الفلسطينية.
وقد هدد «ليبرمان» عباس، بأن: يحبسه في الضفة الغربية، وأن لا يسمح له بمغادرتها مطلقاً، علاوة على التهديد بسحب بطاقات الـ «VIP»، التي منحتها إسرائيل لكبار مسؤولي السلطة، وقادة أجهزتها الأمنية، والتي تضمن لهم حرية الحركة داخل الضفة، وعبر الحدود.
وفي نهاية المطاف ستمارس إسرائيل ضغوطاً أمنية، ولن تتردد في استخدام الحلول العسكرية؛ لإحباط المصالحة، -لاسيما- عبر توظيف أي عمليات إطلاق صواريخ، تتم من قطاع غزة تجاه السلطة الفلسطينية الانتقالية؛ لاستدعاء الضغوط الدولية، ونسف شرعيتها مبكراً، -وبالتالي- يتسنى لها حشد دعم دولي؛ لمواقفها ضد الحكومة الجديدة.
وأمام هذه الضغوط، فإن مكتسبات «فتح وحماس»، يتوجب عليهم أن يدركوا: حجم الخسارة التي ستصيب إسرائيل إذا نجح تطبيق الاتفاق، وعليهم أن يتسلحوا ليس -فقط- بحسن النوايا تجاه بعضهم بعضاً، بل بالتصميم على المضي بالمصالحة الوطنية حتى النهاية. فخسائر إسرائيل من المصالحة، هي في الواقع أرباح صافية للشعب الفلسطيني، وقضيته. وفي نفس الوقت، فهي مكسب لكل من حركتي «فتح وحماس»، ومن ذلك: أن المصالحة، ستزيد من رقعة التأييد الدولي للتحرك الفلسطيني، الهادف إلى حشد أكبر دعم دولي؛ لإعلان الدولة الفلسطينية في «سبتمبر/ أيلول القادم»، على اعتبار أن المصالحة ستظهر الفلسطينيين موحدين.
صفوة القول: الكل يأمل ألا يكون مصير هذه المصالحة، كمصير اتفاق مكة التاريخي. فالوحدة الفلسطينية، والتغلب على حالة الانقسام، وتحقيق الشراكة السياسية، والتعايش الحركي في فسطاط واحد، سيمثل حدثاً غير مسبوق. وبقاء الاتفاق إلى موعد إجراء انتخابات متزامنة لكافة مؤسسات العمل الفلسطيني، وتشكيل حكومة أياً كان شكلها، ستكون خطوة لها ما بعدها، وفي الاتجاه الصحيح.
drsasq@gmail.com