بعد ارتفاع أسعار النفط العام 2008 إلى مستوى 148 دولارًا للبرميل، سارعت المملكة لتقديم 500 مليون دولار للمغرب و300 مليون دولار للأردن؛ بقصد التخفيف من آثار أسعار النفط المرتفعة، وانعكاساتها على ميزانية الدولتين، ومعيشة مواطنيها؛ عشرات المليارات قدمتها المملكة للدول العربية والإسلامية المحتاجة؛ بعض الدول الخليجية أسهمت أيضًا في دعم المغرب، الأردن ودول عربية أخرى. لم تكن دول الخليج في حاجة للدعم العسكري في ذلك الوقت، كما أن الثورات العربية لم تعرف طريقها إلى الساحات والميادين ما يُنَزِّه المساعدات الخليجية، السعودية على وجه الخصوص، من تهمة الاستغلال أو محاولة تحقيق مكاسب سياسية، أمنية مقابل المعونات الاقتصادية. السعودية، ودول الخليج الأخرى لم تذهب في خلافاتها السياسية والأمنية مع الدول العربية حد التطرف؛ تجاوزت سريعًا محنة «دول الضد» في حرب تحرير الكويت، وعادت إلى سابق عهدها في تقديم الدعم المالي والسياسي لجميع الدول العربية دون استثناء. السعودية؛ ومعظم الدول الخليجية؛ تصنف ضمن الدول القليلة في العالم التي لا تربط مساعداتها الاقتصادية والمالية بأهداف سياسية أو منافع يمكن تحقيقها على المدى البعيد. يمكن لبعض «النخب العربية» ووسائل الإعلام المتوجسين من ترحيب مجلس التعاون الخليجي بطلب الأردن الانضمام إلى عضوية المجلس، ودعوته المغرب، أن يُمعِنوا النظر في العلاقات الخليجية العربية القائمة على تحقيق التكامل الاقتصادي، والأمني وتوحيد المواقف السياسية لما فيه من مصلحة الشعوب والدول.
بعد أن خطت دول الخليج خطوات سريعة إلى الأمام، بدأت الأصوات المطالبة بالوحدة تنادي بالفرقة والتشرذم؛ بعض «النُخب العربية» أشبه ما يكونون بالمرتزقة في ساحات القتال، من السهل عليهم نقل سلاحهم من اليمين إلى اليسار، وإعادته مرة أخرى في مقابل المال!!؛ لا يهمهم القتل والتدمير، وضياع الشعوب، همّهم الأول مصالحهم ولا شيء غير ذلك!.
لم تصل «النخب العربية» الناقمة على كل ما هو خليجي إلى الإحاطة التامة بمتغيرات الأمور والمصالح المشتركة التي يمكن من خلالها تكوين نواة للتعاون المثمر بين المجلس من جهة، وبعض الدول العربية المتجانسة.
الاعتراف بتأثير الاقتصاد الخليجي القوي والمصيري على اقتصادات الدول العربية يعني وجوب المساهمة الفاعلة في ترسيخ أمن واستقرار المنطقة دون الحاجة لوجود التحالفات؛ على أساس أن استقرار منطقة الخليج يقود بالتبعية إلى استقرار المنطقة العربية.
السياسة والاقتصاد يقومان على المصالح المتبادلة، ولا عيب في ذلك؛ طالما أنهما يحققان مصالح أطراف العلاقة التي ستنعكس مباشرة على مصالح الشعوب والمنطقة بشكل عام؛ وهو ما يفترض أن يكون الهدف الرئيس للحكومات العادلة.
المغرب والأردن تمتلكان من المقومات الاقتصادية والبشرية والعلاقات الدولية، ما يجعلهما قادرتين على الدخول في حلف مع دول الخليج العربي، في الوقت الذي تمتلك فيه دول الخليج القوة الاقتصادية، والملاءة المالية ما يجعلها قادرة على تحقيق الدعم الأمثل، وخلق علاقة اقتصادية متكاملة ومستدامة مع تلك الدولتين.
تقارب الأنظمة، قد يحقق التكامل الاقتصادي والأمني، وهو ما تبحث عنه الشعوب. التكتلات الاقتصادية، والأمنية هو مطلب المجتمع الدولي، وهدف الحكومات والشعوب، ولا عيب في أن تبحث دول الخليج عن تحقيق مصالحها المتوافقة مع مصالح دول عربية في المنطقة؛ بل إن هذا التكامل؛ في حال حدوثه؛ سيصب في مصلحة الدول العربية الأخرى ولا شك. تحرك مجلس التعاون الأخير يتجاوز في مضامينه معاني الربح والخسارة، والمَغّنَم والمَغّرَم، إلى مقومات العيش والاستقرار وتحقيق الأمن للمنطقة العربية، وليس الخليج فحسب.
البحث عن الاستقرار، وتشكيل قوة اقتصادية، سياسية، وأمنية محققة للأهداف الإستراتيجية هو ما تبحث عنه الدول المتقاربة في أنظمة الحكم. فحلف الناتو يقوم على الحماية الأمنية، في الوقت الذي يحقق فيه الاتحاد الأوربي الدعم السياسي والاقتصادي للدول الأعضاء؛ بعد أزمة الديون السيادية، وتعثر اليونان، البرتغال وإسبانيا، أثبت الاتحاد الأوربي قدرة فائقة في معالجة مشكلات الدول الأعضاء؛ الأحلاف والتجمعات الدولية لا تعني ضمان تحقيق المصلحة القصوى لأطراف فاعلة على حساب الآخرين، بل هي أداة للوصول إلى التنسيق الأمثل الذي يساعد على تحقيق التكامل بين الدول في جميع المجالات، ومن هنا قد تكون الدول الفاعلة أكثر المتضررين في المجموعة، في الوقت الذي تحقق فيه الدول الأخرى المكاسب الأضخم؛ وهذا ما لم تستوعبه بعض «النخب العربية» التي ما زالت تقود العالم العربي نحو الهاوية!!.
لم تقدم اليونان للاتحاد الأوربي شيئًا يذكر، ومع ذلك ما زالت تتلقى دعم الدول الفاعلة كألمانيا، أكثر المتضررين من معالجة الديون السيادية!!.التخطيط الإستراتيجي هو ما ينقص الدول الخليجية، وأحسب أنها اكتشفت ما ينقصها فسارعت لاستكماله، على المستوى الأمني، السياسي، والاقتصادي؛ وهو ما يظهر جليًا في موقفها في البحرين، عُمان؛ وترحيبها بانضمام الأردن والمغرب (لحلف) مجلس التعاون الخليجي.
f.albuainain@hotmail.com