تباينت ردود الأفعال حيال مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، تمامًا كما حدث قبل عقد من الزمان حينما تم تفجير مركز التجارة العالمي. الإعلام الأمريكي أبدع في عرض الخبر كالعادة، ولا أحد ينافسه في ذلك فهو سيد الموقف ويستطيع جذب انتباه الرأي العام متى ما أراد، ومن حسن حظه أن معظم الشعب الأمريكي - طيب - بطبعه وسهل الانقياد، وهذه بالتأكيد أحد أهم أسباب تميز هذا الإعلام عما سواه، لذا لم يكن مستغربًا رؤية أولئك الشباب الذين كانوا يحتفلون في تايم سكوير وغيرها من الميادين وكأنهم خرجوا للتو من مبارة فوتبول أو هوكي، وكان احتفالهم مشابهًا في كثير من الوجوه لتلك الاحتفالات التي عمت بعض مناطق العالم الإسلامي بعد أحداث سبتمبر، ما يعني أن «العدالة الإلهية» لا تغيب، وأن الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان. كان أطرف ما رأيت هو ذلك الشاب الذي لف العلم الأمريكي حول رأسه على طريقة سيلفستر ستالون وهو يرفع عقيرته بأن أمريكا هي الأعظم والأقوى!، هذا مع أنه ينتابني شك بأنه إما عاطل عن العمل، أو بالكاد يجد قوت يومه، ولكنها «الوطنية الحقيقية» على الطريقة الأمريكية. الرئيس باراك أوباما جاءته فرصة ذهبية في توقيت رائع، فهو قد بدأ يفقد وهجه خلال العام الماضي، ولذا بالغت إدارته في إثارة الناس قبل وبعد إذاعة الخبر، وكان أوباما قبل الحادثة بعدة أيام قد سخر من قناة فوكس نيوز اليمينية المتطرفة أثناء حفل مراسلي الصحف المعتمدين لدى البيت الأبيض، وذلك أن القناة كانت تشكك دومًا بأنه ولد خارج أمريكا!، ولذا فقد أبرز شهادة ميلاده أثناء الحفل، ثم بلغت السخرية حدها الأقصى عندما قال إن لديه فيلمًا تسجيليًا لولادته وعرض بعدها على المشاهدين فيلم كرتوني!، ثم التفت إلى حيث يجلس مندوبو القناة وقال: «إنني أمزح فهذا فيلم كرتوني وليس فيلمًا لولادتي!»، في إشارة لاذعة إلى استقصادهم له في كل شاردة وواردة. قناة فوكس انتقمت من الرئيس بعد ذلك بأيام، فقد استغلت التشابه الكتابي باللغة الإنجليزية بين اسمي «أسامة» و»أوباما» أثناء إذاعة خبر مقتل بن لادن واستبدلت حرف السين بالباء عندما عرضت الخبر مكتوبًا على الشاشة!
بعض الإعلاميين بدورهم لم يضيعوا هذه الفرصة فقد زعموا - على الطريقة الهيكلية - معرفتهم بابن لادن، ولا ندري لماذا لم يقولوا ذلك قبل مقتله، وقد ذهب الرفيق عبدالباري عطوان إلى أبعد حد ممكن في هذا الخصوص عندما قال: إن الفضل يعود لابن لادن في تحوله من صحافي عربي شبه مغمور إلى صحافي عالمي!، في إشارة إلى لقائهما قبل سنوات طويلة، وأقول للزميل عطوان إنك لن تكون صحافياً عالمياً من طراز روبرت فيسك وجورج ويل وبيتر أرنت ما لم تتخل عن الحقد الدفين الذي تحمله تجاه بعض الأنظمة السياسية، فأهم شروط الصحافي العالمي هي: «الحيادية».
البروفسور الأمريكي وليام بيمان رئيس قسم علم الأجناس بجامعة مينيسوتا والذي أمضى سنوات طويلة في العالم العربي كتب مقالاً مثيرًا بعنوان: «لقد قتلنا ابن لادن.. فلنقتل الخرافة معه»، ويؤكد فيه استغلال المحافظين الجدد لأحداث سبتمبر ليصنعوا أسطورة من إنسان بسيط، وفي ختام مقاله يدعو حكومته ومواطنيه إلى التوقف عن الاحتفال بالنصر على المسلمين، ويحثهم على أن يبدؤوا صفحة جديدة من التعاون مع المسلمين المعتدلين الذين يشكلون الغالبية العظمى في العالم الإسلامي.
وختامًا، فإننا قد نختلف حول صحة الرواية الأمريكية فيما يتعلق بمقتل ابن لادن، ولكن المؤكد أنه قد مات وخرج من هذه الدنيا إلى الأبد، لأنه لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تؤكد خبرًا كهذا ما لم تكن متيقنة منه تمام اليقين.
خاطرة: إن سبب معاناة العالم هي صمت الناس الرائعين، لا عنف الناس السيئين!.. نابليون بونابرت.
amfarraj@hotmail.com