أكرم، هو أول مواطن ليبي ثائر التقيت به لدى عبوري الحدود المصرية- الليبية في نهاية شهر مارس (آذار)، يبرهن بأنه السفير المثالي للثورة. يبلغ أكرم من العمر عشرين عاما، وترتيبه العاشر بين إخوته الأحد عشر، ولم يذهب أبداً في زيارة إلى طرابلس كما أنه ذهب إلى الحدود مرتين فقط. كان يدرس ليصبح صيدلانياً، لكن غرامه بالحرية والعالم الحر خارج ليبيا القذافي، جعلاه يدخل عالم الإنترنت والفيسبوك ويتعلم اللغة الإنجليزية التي أصبح يتقنها، فهو الآن يعمل متطوعاً لأول بعثة بريطانية لدى المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي. وخلال الرحلة من الحدود التي استغرقت سبع ساعات شرح لي بكل حماس كيف نمت الثورة منذ قمع النظام الوحشي لمظاهرات الطلاب والمحامين في بنغازي قبل ستة أسابيع من وصولي لتصبح ثورة تلقائية حاشدة تهدف إلى إزاحة حكم القذافي القمعي الذي امتد 42 عاماً. أكرم كان واضحاً، فالثورة لن تكتمل طالما بقي القذافي وأفراد عائلته في طرابلس، بينما مازالت باقي أنحاء ليبيا تعاني. أراد أكرم حقاً أن يكون على الجبهة الأمامية مع الثوار الشباب الآخرين، لكن طلب منه المجلس التطوع لهذه المهمة الأخرى. وقبل وصولنا إلى مقر المجلس الوطني الانتقالي والذي سيكون مقرنا خلال الأسابيع التالية، وصلت درجة حماس أكرم لدرجة إقناعنا بأن المجتمع الدولي كان على حق تماماً بالتدخل لحماية كفاح الشعب الليبي لأجل الحرية.
والآن، وبعد مرور شهر على وصولي، بدأت بتوديع بنغازي وتسليم مهامي لمن سيخلفني على المدى الطويل. مازال نظام القذافي متشبثاً بالحكم، لكن المشاعر الجياشة للصراع ضده وضد عائلته والمقربين منه مستمرة دون أن تخبو. وتعلم المجلس الوطني الانتقالي مهماته بسرعة. فقد شكل، على مراحل، إدارة مؤقتة يمكنها الآن الاستمرار بتقديم الخدمات في المناطق المحررة والتخطيط لعملية الانتقال الديموقراطي بعد رحيل القذافي، واستطاعوا تحديد ما يمكن وما لا يمكن للمساعدة الدولية وفق تكليف الأمم المتحدة أن تحققه، وتقدير الحاجة للابتكار والشجاعة لإيصال المساعدات لمصراته والجبال الغربية، وأدركوا بأن الحوار الديموقراطي مطول والتوصل لإجماع صعب وبأن حماس الثوريين غير المدربين وحده لا يكفي. لكن لديهم الثقة والمعنويات العالية التي يمنحها لهم التميز الأخلاقي، كما أنهم مطمئنون بأن المزيد والمزيد من المساعدات الدولية الحيوية باتت تصلهم، وبأن لديهم المهارات المقدمة لهم مجانا من آلاف المواطنين، سواء من المواطنين المتطوعين في مناطق ليبيا المحررة أو من المغتربين الليبيين العائدين لخدمة القضية.
يعتبر المجلس الوطني الانتقالي نفسه بأنه مجرد حامي الثورة، ولا يعتبر نفسه بأنه حكومة. حيث إن تشكيل حكومة انتقالية مؤجل لحين التحرير الفعلي، بعد انتهاء حكم القذافي. وحتى ذلك الحين، كما يؤكد الجميع، يجب عدم الإقدام على شيء يوحي بأي نهاية غير أن تكون ليبيا حديثة وحرة ومتحدة. والكابوس الذي يخشاه المجلس الوطني هو تشبّث القذافي بالحكم في جزء من الأرض غرب بلدهم، متحدياً العالم وحارماً الشعب الليبي من الحرية والخيار الديموقراطي. والمقاومة الصامدة في مصراته تفوق أهميتها الرمزية مجرد نجاة مدنيين ضد الهجمات الوحشية التي يشنها النظام. والأهمية التي يوليها المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي لإرسال الرجال والمواد والأموال لمصراته وغيرها من المدن المحاصرة في غرب ليبيا تنبع من الدفاع عن وحدة أراضي ليبيا.
لقد تحاورت في كل يوم من أيام هذا الشهر مع مواطنين وساسة ليبيين، وكان حواري معهم مباشراً وصريحاً وليس مكبلاً بأي فكر أو بتاريخ المنطقة، ويتصف بالإلحاح والحماس والصداقة، وهي تجربة قلما مررت بها من قبل طوال ثلاثين عاماً من عملي في منطقة الشرق الأوسط. ولدى استقبال مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، في داوننغ ستريت خلال الأسبوع الجاري، أكد لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون - كما فعل في كل مرة اجتمعت به - بأن ليبيا الجديدة ستكون فوق كل اعتبار «دولة قانون»، مختلفة في كل الأوجه بمقدار 180 درجة عن نظام القذافي.
لقد حمل حشد كبير من المتظاهرين الأعلام البريطانية والفرنسية والإيطالية والأمريكية بسعادة وعرفان لدعمنا المشترك لقضيتهم. ونظَّم عدد من شباب بنغازي المتطوعين صفوفهم لتوزيع الغذاء للفقراء، بينما يعمل آخرون في المركز الإعلامي لاستغلال الإنترنت دعماً لقضيتهم. وبلغ عدد المتطوعين للتجنيد في الألوية العسكرية المؤلفة من الثوار الشباب أكبر مما يمكنهم تسليحهم أو تدريبهم، بينما اضطر القذافي أن يلجأ للمرتزقة والتجنيد الإجباري لطلاب المدارس في طرابلس. وفريقي في بنغازي نما في عدده من مجرد ثلاثة إلى حوالي الأربعين في أقل من شهر. والعاملون الأجانب والليبيون الذين فروا عبر الحدود قبل شهر بدأوا بالعودة، يشجعهم جزئياً الأجور المرتفعة التي تدفع وقت الحرب، ولكن كذلك شعورهم بثقة كافية لمعاودة المساهمة في الاقتصاد الليبي الجديد.
عندما تعاود المدارس والكليات فتح أبوابها في نهاية الشهر الجاري، ربما يضطر أكرم للعودة لدراسة الصيدلة. سوف يشعر نوعاً ما بخيبة أمل، لكن ذلك سيكون أفضل سبيل له لخدمة ليبيا الجديدة التي يعتبر هو والآلاف غيره نموذجاً مثالياً لها، والتي فعل الكثير بعواطفه البريئة لإبراز صورتها للعالم.
الممثل الخاص للمملكة المتحدة في بنغازي
خاص بصحيفة (الجزيرة)